مبادرات وضغوط وصبر.. كيف تخطت القاهرة الصعب في غزة؟
على غرار الحروب السابقة، تصدرت القاهرة بجهودها الحثيثة المشهد، ونجحت في التوصل إلى تهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وخلال 11 يوما، هي عمر التصعيد الأخير، أخذت التحركات المصرية مسارات مختلفة، اتسمت بالتنسيق مع كافة الأطراف المعنية والفاعلة إقليميا ودوليا، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
ويرى مراقبون أن القاهرة نجحت في لعب دور الوسيط والتوصل إلى التهدئة، من خلال قبول جميع الأطراف بمن فيها طرفا الصراع لها كوسيط مؤهل ومقبول، لم يتخلف في القيام بدورها المحوري في أي مواجهات، ما يعكس "إيماناً برؤية مصر في تحقيق السلام من خلال حل عادل للقضية الفلسطينية".
وقال دبلوماسي مصري لـ"العين الإخبارية" إن القاهرة "حرصت على تكثيف الاتصالات والتنسيق مع الأطراف المختلفة، سواء عربية أو أوروبية وكذلك المجتمع الدولي، وقدمت في هذا الصدد مقترحات عدة لإنهاء التصعيد الآخير".
المصدر الدبلوماسي -الذي تحفظ على ذكر فحوى المقترحات- اكتفى بالتأكيد على أنها كانت تتضمن مبدأ "الالتزام المتبادل بالهدنة"، استنادا لرؤية القاهرة لضرورة توفير مناخ مناسب لاستئناف المفاوضات والتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وتابع المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن "القاهرة تستمر في التزامها تجاه القضية الفلسطينية، حتى بعد وقف إطلاق النار، في مسعى للتوصل إلى اتفاق هدنة شامل ومستدام".
واليوم، زار وفد من المخابرات المصرية غزة عبر معبر بيت حانون/إيرز، والتقى مسؤولين في حماس، قبل أن يغادر القطاع بعد عدة ساعات، فيما يصل وفد ثانٍ إلى تل أبيب خلال الساعات المقبلة، وفق ما ذكرته مصادر لـ"العين الإخبارية".
وكانت الهدنة في قطاع غزة دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من الساعة الثانية فجر الجمعة بالتوقيت المحلي، وفقا لمبادرة مصرية لوقف التصعيد في القطاع وافقت عليها إسرائيل وحركتا "حماس" والجهاد.
مصداقية القاهرة
بدوره، يقول حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "الجهد المصري يتصدر كل الجهود التي بذلت في الوصول إلى تهدئة منذ التصعيد الإسرائيلي، حيث بدأ منذ اللحظة الأولى مع السياسات الاستفزازية التي مارستها السلطات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في المسجد الأقصى والقدس وتهجير سكان الشيخ جراح".
ويوضح سلامة أن "التحركات المصرية كانت تستند إلى أساسين محددين، وهما رفض سياسة الأمر الواقع التي تحاول إسرائيل فرضها في القدس من خلال التهويد وغيره، والثاني أن أي تصعيد محتمل هو نتيجة طبيعية لعدم التوصل لتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية".
وأضاف: "عندما وقع التصعيد الأخير بدأت مصر بجهودها الحثيثة التواصل مع كافة الأطراف لما لها من قبول، فهي الدولة الأكثر مصداقية في التعامل مع كافة أطراف الصراع سواء الفصائل الفلسطينية على اختلافها وتنوعها أو إسرائيل، وبالتالي كانت تتصدر المشهد الخاص بالجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تهدئة".
وراسما صورة للتحركات المصرية، يقول الخبير السياسي "كان هناك تحركات على مستوى القيادة السياسية وعلى مستوى الخارجية المصرية بالاتصال بالأطراف الإقليمية والدولية، كما كان هناك استحضار للقضية الفلسطينية على هامش المؤتمرات التي عقدت في باريس أثناء الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي، بالإضافة إلى التنسيق مع الإدارة الأمريكية ومجلس الأمن والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي".
وتابع: "كل ذلك مثّل ضغوطا حقيقية أدت لتجاوزات مرحلة التصعيد، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية للإشادة بالجهد المصري"، مضيفا "لولا هذا الجهد مع أطراف أخرى ما كنا وصلنا إلى هذه التهدئة".
ومضى قائلا "وفي رأي هذا التثمين والتقدير من الجميع للجهد المصري، يؤكد مكانة مصر ومصداقيتها وتجردها في تعاملها مع القضية الفلسطينية دون مزايدات".
دور مصري مستمر
ويتفق مع سلامة مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إذ قال "الدور المصري كان أساسيا في الجهود التي بذلت من أجل التوصل إلى التهدئة".
وأضاف: "الجهد المصري لم ينقطع منذ تأجيج الصراع بين الجانبين.. القاهرة حاضرة في جميع الحروب الماضية، وكانت صبورة في التعامل ولم تنسحب أبدا".
وأوضح غباشي أن الجهد المصري لعب دورا أساسيا ورئيسيا ومهما، وجنبا إلى جنب مع الضغوط الأمريكية نجح في تسريع وتيرة إنهاء الحرب، لافتا إلى أن "إسرائيل وصلت إلى نقطة يأس من مسألة تدمير البنية التحتية للفصائل الفلسطينية رغم كم الهلاك الذي ألحقته بقطاع غزة".
واليوم بعد أسبوع من العيد، وفي ظل أجواء الهدوء السائدة، حاول أهل غزة انتزاع أجواء فرح بوقف إطلاق النار بعد 11 يوما من التصعيد والقصف المتبادل والذي خلف 243 شخصا، بينهم 66 طفلا و39 امرأة.
وخلال فترات التصعيد بين إسرائيل وقطاع غزة في الـ13 عاما الماضية كانت مصر حاضرة بقوة في جهود التهدئة والتوصل لاتفاقيات وقف إطلاق النار، ما توجته بنجاحها بوقف التصعيد الأخير أيضا.
aXA6IDMuMTQ1LjEwMy4xMDAg جزيرة ام اند امز