سباق الهجن في السودان.. ثقافة شعبية تزين المناسبات الاجتماعية
سلالات الجِمال، التي يشترك بها السودانيون في السباقات، تختلف من منطقة لأخرى، والسلالة العربية هي المفضلة لدى الأبالة.. ما الحكاية؟
قبل ٢٠ عاماً، كان إبراهيم جبر الدار واحداً من مئات رعاة الإبل في بادية شمال كردفان في وسط السودان الغربي، لا يتفوق عليهم لا بعدد رؤوس الإبل التي يملكها ولا بمكانته الاجتماعية، فهو راع ومربٍّ صغير لا تشرئب له أعناق الرعاة حين يتقدم مجلسهم، لكنه اليوم يحظى بمكانة خاصة ومجلس عامر وصيت يتبعه حيث سار، وذلك لأن جملاً يمتلكه فاز في عدد من سباقات الهجن التقليدية التي كانت تنظم بصورة عفوية قبل أن تتطور وتكتسب صيتاً جعل تجاراً ومختصين في جمال السباق التقليدي يأتونها من مناطق متفرقة خارج وداخل السودان.
سابقاً، كان رعاة الإبل ينظمون السباقات التقليدية بصورة عفوية في أيام الأعياد والأعراس فقط، ولم يكن هنالك كبير اهتمام بالبعير الذي يحرز المركز الأول أو الثاني، لكن مؤخراً اختلفت النظرة للأمر عقب دخول "سماسرة" وتجارة مصدرين للمسابقة، التي لم تصبح رسمية حتى هذه اللحظة، رغم أن هؤلاء صاروا يتصيدون الجمال التي تحرز المركز الأول في عدة سباقات ويغرون أصحابها ببيعها بمبالغ مالية ضخمة، بحسب ما روى لـ"العين الإخبارية" على عبدالله التوم، أحد الذين درجوا على الاشتراك في السباقات التقليدية بمنطقة أم سيالة الواقعة أقصى شمال ولاية شمال كردفان.
ووفقاً للمتسابق علي عبدالله، لم يكن الناس يهتمون في السابق بمثل هذه الفعاليات إلا أن ارتفاع أسعار الجمال التي تفوز فيها لفت النظر لها فأصبحت تُقام بصورة راتبة، ويستطرد على عبدالله مضيفاً: "كان السباق يقام غالباً في الأعياد، لأن الناس يأتون للصلاة من مناطق متفرقة على ظهور الدواب والجمال، وبعد الصلاة يتجمع أصحاب الجمال ويحددون مكاناً محدداً يتسابقون نحوه دون تقديم جائزة للفائزة". ويتابع علي بقوله: "من خلال هذه الطريقة كان يتم اكتشاف الجمال الأصيلة التي لم تكن هناك جهة ترغب في شرائها إلى أن ظهر سماسرة وتجار ينقلونها إلى خارج السودان، فانتبه الأبالة للأمر وأصبحوا ينظمون السباق بصورة منتظمة في يوم الأسواق الكبيرة التي تقام في الأسبوع مرة واحدة أو يوم مناسبة زواج أو ختان، ويحصل صاحب الجمل الفائز على جائزة قيمة ويعرض على صاحبه مبلغا كبيراً في الحال إذا رغب في بيعه".
وتختلف سلالات الجمال التي يشترك بها في السباقات من منطقة لأخرى، وبحسب أحمد ود الأطرش الخبير في هذا المجال فولاية كردفان تضم نوع معينة يطلقون عليها السلالة العربية وهي المفضلة لدى الأبالة لأنها ذات أحجام كبيرة ونوعها يميل للون العسلي وهو لون أميز الأبل في كردفان، لكن الأبالة يحرصون على عدم التفريط في هذا النوع من السلالات ويرفضون بيعه لسكان المنطقة خوفاً من فقدان ميزة ملكيته.
ويشير أحمد في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أنه، وبسبب قلة هذا النوع من جمال السباق، التفت سكان كردفان على وجه الخصوص لشرق السودان الذي تكثر فيه الجمال البشارية المنسوبة لقبيلة البشاريين والعنانيف التي تربيها قبائل مثل الهندودة والحلنقة، وأصبحوا يذهبون إلى هناك ويجلبون معهم عددا من "الحشاو" وهي جمال لم يتجاوز عمرها 3 أعوام، ومن ثم يقومون تربيتها وتأديبها ووبعد أن يصبح عمرها ٥ أعوام يشتركون بها في السباقات المختلفة.
ويضيف: تجلب هذه الجمال الصغيرة بمبالغ تتراوح بين 10 و20 ألف جنيه للرأس الواحد، ولكن لو قُدر لواحد منها الحصول على المركز الأول يصل سعره من أول مسابقة لـ100 ألف، ولو أحرز المركز الأول في أكثر من سباق يصل سعره لنصف مليار جنيه، وبعد ذلك يتم تصديره لخارج السودان بأوراق رسمية ينقل عبرها لميناء بورتسودان وبعدها بالباخرة.
هذه السباقات التقليدية وغير المرتبة رسمياً أحدثت تغيرا اجتماعيا غير مسبوق في حياة الناس الاجتماعية، فقد تحولت مناسبات الأعراس في البادية لكرنفالات سباق يتنافس فيها أصحاب الجمال على المركز الأول دائما حي أصبح الدعوة للمناسبة، لا تتم باسم الزواج إنما باسم سباق الهجن التقليدي، وهذا مسلك لم يكن مطروقا في السابق.
من ناحيتها، استطلعت "العين الإخبارية" رئيس اتحاد الهجن السوداني "سعد العمدة"، حول السباقات التقليدية للهجن في السودان، فأوضح أنه يعتبرها ثقافة قديمة بالبلاد، وأن السباقات الرسمية التي ينظمها الاتحاد الذي يرأسه انطلقت من خلفية هذه الثقافة الشعبية.
ورأى أن انتشار ثقافة سباق الهجن في شمال كردفان تنبع أهميته من الثروة الإبلية التي يحظى بها السودان، كدلالة اقتصادية واجتماعية وثقافية قيمة، من حيث الجودة والنوع، مشيرا إلى أن السودان يحتل المرتبة الثانية بعد الصومال من حيث العدد في مجال الإبل.
وأعرب عن شديد امتنانه للدعم الذي تقدمه دولة الإمارات للسودان في مختلف النواحي، وخصوصا أنشطة اتحاد الهجن، وقال: نخص بالشكر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، والشيخ سلطان بن حمدان بن محمد آل نهيان، مستشار رئيس الدولة، رئيس اتحاد الإمارات للهجن.
وكشف العمدة في مقابلة مع "العين الإخبارية"، أن حجم الإشارة والجوائز التي تقدمها دولة الامارات لسباقات الهجن بالسودان تصل إلى أكثر من 10 ملايين دولار في تنظيم السباقات والجوائز والمشتريات، وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تعاونا بين البلدين عبارة عن شراكات في الإنتاج،
وقال: "نحن نملك الأراضي والأمطار والرعاة والإنتاج، والإمارات تملك الإمكانات المالية والرغبة العالية والخبرة في الإنتاج".