رسالة ماسرا من «شرفة الأمل».. استقطاب أم وحدة في تشاد؟

لحظة فارقة في المشهد السياسي التشادي. هكذا وصف خبراء سياسيون الحكم الصادر بحق سوكسي ماسرا.
واعتبر خبراء متخصصون في الشأن التشادي والأمن الإقليمي، أن العقوبة القضائية، ضد رئيس الوزراء السابق، تحمل أبعاداً سياسية واجتماعية مهمة.
وقالوا إن للحكم تأثيرا على بنية وقوة المعارضة، فضلا عن احتمالات لزيادة الاستقطاب العرقي والمجتمعي، وإمكانية إعادة تشكيل رواية الشرعية الشعبية في بلد يمر بمرحلة انتقال سياسي معقدة ويواجه تحديات اقتصادية وأمنية كبيرة.
خلفيات الحكم
وقضت محكمة في تشاد بسجن رئيس الوزراء السابق سوكسي ماسرا 20 عاما بعد إدانته بتبني خطاب عنصري والتحريض على ارتكاب مذبحة.
وجاء الحكم الصادر عن محكمة في العاصمة نجامينا بسجن ماسرا رئيس حزب "المتحولون"، أحد أشد منتقدي الرئيس محمد إدريس ديبي، لدوره في "التحريض على أعمال عنف طائفية" أسفرت عن 42 قتيلا في 14 مايو/أيار الماضي. كما غرمته المحكمة مليار فرنك أفريقي "1,5 مليون يورو".
وكان معظم ضحايا أعمال العنف من النساء والأطفال في مانداكاو في جنوب غرب تشاد، وفق المحكمة.
وأوقف ماسرا في 16 مايو/أيار ومثل أمام المحكمة مع ما يقرب من 70 رجلا آخرين متهمين بالمشاركة في عمليات القتل.
وهو ينحدر من جنوب تشاد، وينتمي إلى مجموعة نغامباي العرقية، وكان غادر تشاد بعد حملة ضد أتباعه في عام 2022، ولم يعد إلا بموجب عفو في عام 2024. وشغل منصب رئيس الوزراء من يناير/كانون الثاني إلى مايو من العام الماضي بعد توقيعه اتفاق مصالحة مع ديبي.
رسالة ماسرا
وبعد النطق بالحكم، أرسل ماسرا رسالة لأنصاره جرى قراءتها في مقر الحزب.
وتجمع المئات في "شرفة الأمل"، وهو الاسم الشعبي لمقر الحزب، حيث رُفعت الأعلام وترددت الأغاني، وتخللت الأجواء لحظات انفعال مع قراءة مقتطفات من رسالته، التي أكد فيها قرب عودته ودعا أنصاره للتمسك بالحكمة.
كما أعلن أن قيادة الحزب ستدار بشكل جماعي برئاسة بيدومرا كورجي، الذي شغل مناصب اقتصادية بارزة محلياً ودولياً.
وذكر ماسرا في رسالته أن إدارة الحزب خلال غيابه ستتمّ بصورة تشاركية تحت قيادة بيدومرا كورجي، نائب سابق للرئيس في بنك التنمية الإفريقي ووزير سابق للتخطيط والاقتصاد في تشاد.
وتوالت الخطب، وتخلّلها العديد من الإشارات إلى نصوص دينية. وقال سيتاك يومباتينا، أحد نواب رئيس الحزب: "لا تحزنوا. لا تخافوا من العسكريين الذين يحيطون بنا"، وأضاف: "عند خروجي من المحكمة (...) أُخبرت: "ستحلون أموركم داخلياً أيها السياسيون".
تأثير المحاكمة
من جهته، قال ريمادجي هويناثي، الباحث الأول في معهد دراسات الأمن لـ"العين الإخبارية"، إن تأثير المحاكمة قد يكون على مستويين: داخلياً، يمكن أن يحد غياب زعيم الحزب من ديناميكية المعارضة وقدرتها على الحشد.
وعلى مستوى الرأي العام، يعتمد الأمر على كيفية تلقي الشارع للحكم: هل سيؤدي إلى تراجع التأييد، أم أنه قد يعزز التعاطف معه كرمز سياسي في نظر بعض المؤيدين؟
وأشار هويناثي إلى أن الحكم يجب قراءته أيضاً في سياق التوترات المجتمعية، خاصة في مناطق النزاع بين المزارعين والرعاة، حيث تختلط العوامل الاقتصادية والاجتماعية مع اعتبارات الهوية والانتماء.
ويرى أن إدارة هذه الملفات تحتاج لآليات تسوية شاملة لتفادي استمرار حالة الاستقطاب.
أما إقليمياً ودولياً، يوضح هويناثي أن مثل هذه القضايا يمكن أن تؤثر على صورة البلاد لدى الشركاء الخارجيين، خاصة فيما يتعلق بالتزاماتها بالإصلاح السياسي وتعزيز الاستقرار.
جذور الأزمة
من جانبها، قالت لاديبا جوندو، الباحثة في جامعة نجامينا، لـ"العين الإخبارية" إن ما يجري يعكس مرحلة تحولات اجتماعية وسياسية كبيرة في تشاد، مع صعود حركات شبابية ومدنية تطالب بالإصلاح والعدالة.
وترى أن الأحداث المرتبطة بالنزاعات المحلية، مثل مأساة مندكاو، لا يمكن فهمها فقط من منظور قانوني، بل يجب تحليل جذورها الاقتصادية والبيئية، بما في ذلك الضغط على الموارد وتغير أنماط استخدام الأراضي.
وتقترح جوندو أن ترافق الإجراءات القضائية مبادرات مصالحة محلية، تشمل الوسطاء الاجتماعيين والزعامات التقليدية، إلى جانب برامج دعم للمتضررين وآليات تحقيق مستقلة لتحديد المسؤوليات الحقيقية. وتؤكد أن غياب هذه الخطوات قد يبقي على حالة التوتر ويفتح المجال أمام مزيد من الأزمات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز