"الفوضى المرعبة".. تشاد "قنبلة موقوتة" تهدد الجزائر والساحل
لا تكاد تنتهي أزمة في الساحل الأفريقي حتى تشتعل أخرى كما حدث مؤخرا في تشاد عقب مقتل رئيسها إدريس ديبي، ما يهدد أمن الجزائر.
أزمات تنتقل من منطقة لأخرى بالقارة السمراء ككرة الثلج لتحاصر دولاً، وتزيد من أعبائها الأمنية والعسكرية كما يحدث للجزائر مع محيطها المتأزم والملتهب، وفق ما ذكره الخبير الأمني الجزائري، أحمد كروش لـ"العين الإخبارية".
- الجزائر تدين مقتل ديبي: نرفض التغييرات المنافية للدستور
- إدريس ديبي.. رحيل "ماريشال" تشاد و"حارس" ساحل أفريقيا
وتوفي الرئيس التشادي إدريس ديبي في 20 أبريل/نيسان الماضي متأثرا بجروح أصيب بها على خط الجبهة في معارك ضد المتمردين شمالي البلاد، ما دفع الجيش لفرض حظر تجول وإغلاق حدود البلاد، وتقديم وعد بإجراء انتخابات ديمقراطية بعد فترة انتقالية تمتد 18 شهرا في البلاد.
وبعد يوم من ذلك، أعلن الجنرال محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس العسكري الانتقالي أنه "يتولى مهام رئيس جمهورية" تشاد.
وفي هذا الإطار، قال كروش إن "الجزائر من بين دول المنطقة التي تخشى من تداعيات ومآلات اغتيال الرئيس التشادي وسط مخاوف من أن يمتد لهيب الجماعات الإرهابية إلى هذا البلد الأفريقي".
وتعيش الجزائر في محيط متأزم وحدود ملتهبة مع ليبيا والنيجر، وازدادت الأمور تعقيدا بعد الانقلاب العسكري في مالي أغسطس/آب الماضي، وهي المنطقة التي تشكل مصدر قلق كبير للجزائر، خصوصاً مع النشاط الإرهابي لـ"داعش" والقاعدة في الشمال المالي المتاخم للحدود الجزائرية.
عبء أمني جديد
وأقر الخبير الأمني كروش بخطورة تداعيات اغتيال الرئيس التشادي على أمن الجزائر والمنطقة، مشيرا إلى مخاوف بلاده من احتمالات تدهور الوضع الأمني بهذا البلد الأفريقي وارتداداته على دول المنطقة و"زيادة العبء العسكري على الجيش الجزائري".
ومضى قائلا إنه "من الطبيعي عندما تكون الدول المضطربة أمنياً وسياسياً قريبة من المجال الحيوي والاستراتيجي فإن ذلك يؤثر على الأمن القومي الجزائري ويزيد الأعباء على الجيش الجزائري".
وتابع: "صحيح هو موجود بالقدر الكافي بأسلحة متطورة جدا وبخبرة وكل ما يتطلبه الدفاع عن حدود البلاد وسيادتها فضلا عن قدرته أيضا على محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة التي بُرمجت ضد الجزائر، لكن وجود الفوضى في المنطقة يزيد أعباء أخرى على الجزائر زيادة على ما يحدث على بقية حدودها".
كما لفت إلى أن الموقف الجزائري "كان واضحاً ويمكن قراءته في بيان وزارة الخارجية، وفيه نوع من التخوف من طريقة انتقال السلطة "في تشاد" على أساس أن الجزائر تعمل وفق الشرعية الدولية وقرارات الاتحاد الأفريقي".
وأوضح: "معرفة الجزائر والاتحاد الأفريقي الجيدة بمآلات هذه الطرق، وحجم التدخلات الأجنبية في مثل هذه البلدان، وبالتالي فهي تستشرف أن هناك أيادي أخرى قد تعرقل كل الحلول في تشاد أو في المنطقة من أجل الإبقاء على الفوضى ولتُشرع هذه الدول لنفسها البقاء في المنطقة".
ولادة أزمة جديدة
الخبير الأمني الجزائري اعتبر أيضا أن اغتيال الرئيس التشادي "هو بمثابة إضافة أزمة جديدة لأزمات المنطقة التي تعاني منها منطقة الساحل".
واستطرد قائلا: "هو قُتل على جبهة المعركة على يد متمردين عادوا من ليبيا إلى شمال تشاد، وهذا الأمر في حد ذاته يدفع بعدم الاستقرار في المنطقة".
وأضاف "كما أنه بعد مقتل ديبي تشكل مجلس عسكري في نجامينا، وهو خارج إطار الدستور في هذا البلد، وحل البرلمان والحكومة وهو ما أدى إلى رفض المعارضة التشادية لهذه الخطوة وهذه السلطة، زيادة على أن الاتحاد الأفريقي لا يقبل بالوصول إلى السلطة خارج الأطر الدستورية".
واعتبر بأن هذه المعطيات "تزيد من حدة الأزمة في تشاد، وترفع أيضا من منسوب أزمات المنطقة المتوترة والتي يمكن أن تخرج عن السيطرة، لأن الجماعات الإرهابية أصبحت تزيد في أعدادها وحتى ضحاياها، والجهات الغربية ربما كانت تعلم بما يحاك أو يخطط لتشاد باستدعاء رعاياها لعدم وجود الأمن فيها، وخطورة الأوضاع تظهر في الأيام القادمة".
ويرى أحمد كروش بأن "ما يحدث في تشاد مسألة معقدة وتزداد تعقيدا كل يوم، خاصة أن هناك تداخلا قبلياً بين جنوب ليبيا وشمال تشاد وكذلك التدخلات الأجنبية والصراعات والحسابات بين القوى الإقليمية والدولية على المنطقة، وكل هذا يزيد من اشتعال المنطقة ويقلل فرص الحلول المرضية والقابلة للتطبيق على أرض الواقع، سواء في تشاد أو في دول الساحل بصفة عامة".
وتابع قائلا: "كنا نقول في السابق إن القرن الأفريقي هو من يعاني من ويلات الإرهاب والفقر، لكن في كل مرة تزيد الرقعة بفواعل أخرى مثل داعش والقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية المسلحة، يضاف إليها الجماعات الانفصالية في دول أخرى، وهناك نزاعات داخلية أيضا في القارة الأفريقية، بينها إثيوبيا التي كانت مستقرة نوعا ما إلا أنها تعاني اليوم من أزمات داخلية".
وأوضح "الأمر لا يختلف في منطقة غرب أفريقيا حيث توجد مجموعة بوكو حرام، وكل هذه التهديدات تعقد أزمات أفريقيا، كما أن الوضع في تشاد يمكن أن يؤثر سلباً على المسار السياسي الذي انطلق في ليبيا".
وختم بالإشارة إلى "أن حالة اللاستقرار ستبقى في هذه المنطقة مادامت هناك جيوش أجنبية موجودة بأراضيها، ومادامت لا توجد مقاربة أممية لمكافحة الإرهاب ولتجريم الفدية ومنع تزويد الجماعات الإرهابية بالأموال الطائلة التي تمكنهم من شراء الأسلحة ومن إنعاش الجريمة المنظمة واستقطاب مجندين جدد، وكلها أمور تخشاها الجزائر وترى فيها عدم استقرار للمنطقة".