"شارل ديجول".. الجيش ينفي التقصير بحق القلعة العائمة
هايدي صبري
لغز تسلل كورونا لحاملة الطائرات الفرنسية مستمر، والبحرية تدافع عن "أثمن سلعة" في البلاد
في الوقت الذي يبحث فيه الفرنسيون عن خيط لفك شيفرة لغز وصول فيروس كورونا إلى حاملة الطائرات "شارل ديجول"، ما زالت القلعة العائمة تخيم على المشهد العام في هذا البلد.
وأمس السبت، أعلن الجيش الفرنسي أن الحصيلة النهائية للإصابات بفيروس كورونا المستجد في حاملة الطائرات "شارل ديجول" تساوي 1080 شخصا من أصل 1760 على متنها.
ونحو 50% من المصابين لا تظهر عليهم عوارض، في حين نُقل نحو 20 إلى 30 بحارا إلى المستشفى، بينما يعالج رائد في الخمسينات من العمر داخل العناية المركزة.
ومع هذا العدد الكبير لإصابات "شارل ديجول"، قال أحد أفراد الطاقم الذين يمثلون ثلث البحارة إيجابيا، في حديث لإذاعة "فرانس بلو"، إن قائد حاملة الطائرات كان سيقترح قطع المهمة بمجرد توقفه في بريست، من 13 إلى 16 مارس/آذار، لكن الوزارة رفضت هذا الاقتراح، على حد قوله.
لكن رئيس الأركان الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر نفى تلك الاتهامات، مستعرضاً الوضع على متن السفينة.
كما نفى أي خطأ في القيادة، معتبرا أن الإجراءات التي تم اتخاذها تؤكد رد الفعل السريع للجيش الفرنسي.
وقال لوكوانتر، خلال مقابلة مع محطة "تي.إف.1" الفرنسية، إن مسألة إلغاء المهمة تم طرحها في وقت مبكر جدا، 4 أو 5 مارس/آذار، وهو ما تم رفضه.
وأضاف: "لم تكن هناك حاجة لأي توقف لوجستي أساسي لحاملة الطائرات حتى تتمكن من مواصلة مهمتها في ظل ظروف صعبة للغاية".
سبب آخر كان للرفض -بحسب رئيس الأركان- هو حظر زيارة العائلات على متن حاملة الطائرات، مشيراً إلى أنه لا يوجد تحقيق في هذه المرحلة يسمح لنا بأن نقول ما إذا كان الناس قد خرقوا هذه القواعد.
وأوضح رئيس الأركان الفرنسي أن هذه القواعد، في الوضع الحالي كانت كافية للتأكد من الحماية من انتقال الفيروس من لحظة خروج الناس.
لكنه ذكّر بأن لديهم "تحقيق قيادة سيسمح بتوضيح الحقائق، وفهم ما حدث وتعلم الدروس للمستقبل لمعرفة نوع الإجراء الذي نحتاج إلى اتخاذه بشأن الأزمات المماثلة أو بشأن مرافقنا الأخرى. ولكن ليس هناك من مسألة الحكم على الناس أو معاقبتهم أو وصمهم".
١٦ مارس.. ماذا حصل؟
خلال وقت المغادرة يوم 16 مارس/آذار، قرر قبطان "شارل ديجول" اتخاذ تدابير الاحتواء، والتطبيق الصارم للتباعد بين الأفراد قدر الإمكان، الحديث لرئيس الأركان.
ونظرا للقرب الشديد بين البحارة، والحاجة إلى العمل بين الأقسام بشكل يومي، أصيب في ذلك اليوم نحو 15 شخصا بأمراض الأنف والأذن والحنجرة كان يتابعهم أطباء على متن حاملة الطائرات، وهو أمر "طبيعي" لا يدعو للقلق، بالنسبة لقائد الجيش.
أسبوعان تم تجاوزهما والتأكد من عدم وجود أي عدوى للفيروس على متن السفينة، كانا كفيلين بأن ينهي قبطانها فترة القيود.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي "شارل ديجول".. ظهرت الحالات الأولى في 4 أبريل/نيسان الجاري.
وفي اليوم التالي، ارتفعت إصابات الفيروس لـ18 حالة، وواصلت الارتفاع في اليوم الثالث لتصل إلى 36.
باريس تتحرك
حينها أدرك القبطان أن هذه إحدى أعراض كورونا، وأنه لن يكون من الممكن احتواء المرض، فقرر أن يبلغ باريس بالأمر.
بعد أن عرفت باريس بما ألمّ بـ"شارل ديجول"، قررت وزارة القوات المسلحة - يقول لوكوانتر- إرسال فريق طبي إلى حاملة الطائرات قبل اتجاهها إلى ميناء تولون، ليؤكدوا بدورهم أن هذه الحالات مصابة بفيروس كورونا المستجد، إلى أن رست حاملة الطائرات يوم 13 أبريل/نيسان.
وأكد رئيس الأركان الفرنسي أن "شارل ديجول" تمثل قدرة عسكرية أساسية ورمزية لفرنسا لا يمكن التخلي عنها.
وكان المتحدث باسم البحرية الفرنسية إريك لافولوت قد نفى، السبت، الاتهامات المجهولة لأحد البحارة.
وقال لافولت: " أفهم القلقين، والغاضبين أيضا، لكنني لا يمكن أن أقبل بضجيج من يقولون إننا لا نأبه بصحة بحارينا".
وأضاف: "يحتاج الناس إلى فهم أن تعريض الطاقم للخطر أمر غير وارد"، مؤكدا أن "قلب النظام القتالي للسفينة هو طاقمها، لذا فهي أثمن سلعة ".
وأوضح لافولت أن أول تحقيق وبائي أجرته الخدمة الصحية للقوات المسلحة سيسلط الضوء على طريقة انتشار الفيروس على متن حاملة الطائرات.
ولفت إلى أن رئيس الأركان البحرية الأدميرال برازوك، طلب تحقيقا عسكريا قياديا حول ما حصل على متن السفينة.
تحقيقان لفك اللغز
وفُتح تحقيقان حول ما جرى على متن "شارل ديجول"؛ الأول حول القيادة والآخر طبي للتحري عن طريقة إدارة الأزمة من جانب الطاقم العسكري من جهة، ولدراسة كيفية انتقال الوباء إلى المنشأة من جهة أخرى.
ولا يزال الجدل قائما حول المسألتين في ظل العديد من الإفادات من جانب العسكريين وأقربائهم الذين ينددون في الإعلام الفرنسي.
وفي هذا الصدد، أشار لافولت إلى أنه سيتعين على لجنة من الخبراء التي تضم طبيبا من خدمة ضباط الصحة البحرية، تحديد وتفصيل التسلسل الزمني للحقائق.
وتابع: "سوف نتحقق من التسلسل الزمني للأحداث، ونحدد الأسباب، لاستخلاص استنتاجات وملاحظات تضمن عدم تكرارها مرة أخرى".
"وشارل ديجول" هي ثاني حاملة طائرات يطالها الوباء العالمي بعد الأمريكية "يو إس إس ثيودور روزفلت".