تشارلي شابلن.. "شيوعي" مطرود أمريكيا دافع بقوة عن مصر
خلف الكواليس لم تكن حياة تشارلي شابلن هانئة بقدر متابعة الملايين له ولم تشفع له الكوميديا أمام اتهامه بواحدة من أخطر الجرائم السياسية.
ففي الثاني من أبريل/نيسان 1972 عاد تشارلي شابلن إلى الولايات المتحدة بعد مغادرته لها عام 1950 إثر اتهامه بالشيوعية فما قصة صاحب اللون الكوميدي الصامت؟
تقرير نشرته وكالة رويترز ويعود تاريخه إلى عام 2008 أزاح الستار عن أن الممثل والمخرج السينمائي الرائد شارلي شابلن قوبل طلبه بالحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة بالرفض بقرار من النائب العام الأمريكي في سبتمبر/أيلول 1952.
رفض زاد من آلامه أن "شابلن" كان في عرض البحر متوجها من بلده بريطانيا إلى الشاطئ الأمريكي ليبدأ رحلة دامت 20 عاما بحثا عن براءته.
وفي فترة ملاحقة مثقفين وفنانين أمريكيين بتهمة الشيوعية أو ما يعرف بالمد المكارثي، كان شابلن واحدا ممن قدموا عام 1940 فيلم (الدكتاتور العظيم) ساخرا من زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر.
وأمام اتهامه بالشيوعية لم تفلح محاولاته الدفاع عن نفسه على مدى بضع سنوات فاضطر لمغادرة الولايات المتحدة نهائيا.
وبحسب كتاب (هل أنت شيوعي يا مستر شابلن) فإن الفنان البريطاني وجد حفاوة شعبية وسينمائية في كثير من دول العالم وكرم في أكثر من مهرجان دولي.
كما أنه في بلده بريطانيا أقيم له تمثال كبير أزيح عنه النقاب يوم 16 أبريل/نيسان 1981، على بعد خطوات من تمثال شاعر المسرح الإنجليزي الخالد وليام شكسبير.
وفي مصر يحظى شابلن بتقدير كبير ففي عام 1958 صدر كتاب (عزيزي شارلي) للمخرج السينمائي المصري كامل التلمساني (1915-1972) الذي سجل فيه الفنان البريطاني اعتراضا على العدوان الثلاثي (البريطاني-الفرنسي- الإسرائيلي) على مصر عام 1956.
آنذاك لم يتردد شابلن في الاعتراض على السياسة العدوانية لحكومة بلاده بريطانيا، قائلا إن واجب “الشرفاء في العالم كله هو الكتابة عن الكفاح الشعبي المسلح في مصر.. إن مصير الاستعمار حتما إلى زوال”.
وحياة شابلن جديرة بالتأمل في الصعود من القاع إلى القمة منذ ولد عام 1889 في حي كيننجتون بلندن مرورا بالقبض عليه مع أخيه سيدني بتهمة التشرد وإدخاله ملجأ للأيتام.
وألحت صحف المليونير الأمريكي راندولف هيرست على إلصاق تهمة الشيوعية بشابلن على مدى أكثر من 35 عاما إلى أن اضطر إلى مغادرة الولايات المتحدة دون الحصول على جنسيتها.
ظلت تلك الصحف تلاحقه بأسئلة مستفزة “هل تفكر في زيارة الاتحاد السوفيتي.. ما رأيك في الثورة الروسية.. ماذا تظن في لينين وهل تريد مقابلته ومتى وأين ستكون هذه المقابلة..” وكانت تلك الصحف تهدف إلى إبعاده عن البلاد وتصفه بأنه "مهاجر إنجليزي قذر يرفض الجنسية الأمريكية".
ولطالما أعلن شابلن صراحة “لست شيوعيا ولكني صانع سلام”، وخرج من أمريكا بعد أن قضى بها 40 عاما وأقام في سويسرا حتى وفاته عام 1977.
وكتاب (هل أنت شيوعي يا مستر شابلن) الذي ترجمه وحرره الكاتب المصري رمسيس عوض يحمل عنوانا فرعيا هو (قصة شارلي شابلن مع المخابرات الأمريكية.. وثيقة تاريخية).
واستندت الاتهامات إلى بعض تصريحات لشابلن منها قوله عام 1942: “إذا كنا نرغب في كسب الحرب (العالمية الثانية) وإذا كنا نريد من روسيا أن تظهر لنا تعاونها الكامل فعلينا أن نتوقف عن شن الحملات ضد الشيوعيين".
ولعل ما زاد من توجيه الاتهام بالشيوعية إلى شابلن فيلمه المثير للجدل (المسيو فيردو) 1947 “الذي كان سببا مهما في اشتباه المخابرات المركزية في تعاطفه مع الشيوعية".
وأجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 1948 تحقيقا مطولا مع شابلن اعترف فيه بأنه لا يعرف شيئا عن الشيوعية ولم يقرأ كتابات كارل ماركس وأنكر أنه تبرع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للحزب الشيوعي في أمريكا.
وشدد على أن ما يربطه بالشيوعية هو أن السلطات الأمريكية اختارته في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 1940 لتمثيل الولايات المتحدة -بدلا من السفير الأمريكي السابق لدى الاتحاد السوفيتي جوزيف رافيز- لإلقاء كلمة أمام اللجنة الأمريكية للتخفيف من ويلات الحرب في سان فرانسيسكو.
وخلال التحقيق قال شابلن: “طلبوا مني أن أدعو الى جمع التبرعات من أجل الأعمال الخيرية الروسية أو من أجل شيء من هذا القبيل.. والكلمة التي حرصت دوما على إبرازها في كل أحاديثي هي الدعوة إلى وحدة الصف بين روسيا والحلفاء لكسب الحرب”، مضيفا أنه حافظ دائما على استقلاله ولم يلتحق بأي منظمة سياسية.
ونفى شابلن أن يكون قد تقدم بطلب للحصول على الجنسية الأمريكية لأنه منذ كان في التاسعة عشرة “كان يخامرني دوما إحساس بالانتماء إلى العالم كله وهو إحساس يكبر وينمو معي كل يوم".
وبعد رفض السلطات الأمريكية منحه تأشيرة دخول عقد شابلن في لندن يوم 23 سبتمبر 1952 مؤتمر صحفيا وسالت دموعه أمام حفاوة الجماهير، مؤكدا أنه لم يكن شيوعيا في يوم من الأيام.