لعبة الشطرنج تبني جسورا من المودة في جنوب السودان
الإقبال المتزايد على الشطرنج يسمح بحصول جنوب السودان العام الماضي على أول ميدالية ذهبية في مسابقة دولية منذ استقلالها في عام 2011.
يتوافد الأشخاص على قاعة نادي شطرنج قرب جوبا عاصمة جنوب السودان، يوم الأحد من كل أسبوع، إذ تزايد الإقبال على ممارسة هذه الهواية في محاولة لتناسي مشقات الحياة اليومية.
يتواجه دنج كوستا، البالغ من العمر 28 عاماً، في مباراة شطرنج مع أنجيلو ليجيه، صاحب الـ36 عاماً، فيما يحيط بهم عدد من المتفرجين قرب ساحة صغيرة يعلو فيها صراخ شباب يتابعون مباراة من الدوري الإنجليزي لكرة القدم، ويشتتون تركيز اللاعبين لفترة وجيزة.
ورغم مرور أكثر من 5 سنوات على اندلاع الحرب التي تتواجه فيها مجموعات عرقية مختلفة في هذه الدولة الناشئة، فإن نادي مونوكي للشطرنج يعد ملاذا للتعايش السلمي.
في الشطرنج أجد الحلول
إنها عطلة نهاية أسبوع عادية في نادي الشطرنج، وهو واحد من عدة أندية موجودة في جنوب السودان الذي تمزقه الحرب، وحيث سمح الإقبال المتزايد على اللعبة بحصول هذا البلد العام الماضي على أول ميدالية ذهبية في مسابقة دولية منذ استقلاله في عام 2011.
وتعرف "ليجيه" على الشطرنج خلال دراسته الهندسة المدنية في الخرطوم خلال حرب الجنوب من أجل الاستقلال عن السودان.
وعندما نظمت أول مسابقة للشطرنج في جنوب السودان في عام 2014، حل في المركز الثالث.
وسمح الإقبال المتزايد على اللعبة بحصول هذا البلد العام الماضي على أول ميدالية ذهبية في مسابقة دولية منذ استقلاله في عام 2011.
وبالنسبة إلى هذا الشاب الذي يكافح من أجل رسم مستقبله في بلد تركت فيه الحرب ملايين الشباب في وضع مماثل لوضعه، تشكل لعبة الشطرنج الدواء الشافي.
ويقول: "عندما أشعر بالإحباط حيال مستقبلي كمهندس، أذهب لأمارس لعبة الشطرنج وأجد حلولاً"، مضيفاً: "هي مسألة تمضية وقت، لكن أيضا لإنعاش ذهني وإعطائي رؤية عن خطواتي المستقبلية".
أخوة
ويوضح "ليجيه": "كما ترون، فإن أشخاصاً من أعراق وقبائل مختلفة يأتون إلى هنا ليلعبوا الشطرنج، وبذلك نصبح إخوة ونوطد الاحترام والمودة بينناً".
ومنافسه كوستا، الذي تعلّم الشطرنج عندما كان مراهقاً، طالب في العلوم التطبيقية في جامعة جوبا، وهو يحلم بالوصول إلى أولمبياد الشطرنج ذات يوم.
ويقول: "لعبة الشطرنج تجمع الأشخاص ولذلك أحبها. إذا سارت الأمور على ما يرام، فستكون الشطرنج ثاني أكثر الألعاب شعبية في جنوب السودان بعد كرة القدم".
وأسس جادا ألبرت مودي، جمعية الشطرنج بجنوب السودان، في عام 2009، قبل سنتين من الاستقلال.
وأصبحت عضواً كاملاً في الاتحاد الدولي للشطرنج في عام 2016 في باكو في أذربيجان، التي استضافت أول أولمبياد شارك فيه لاعبون من جنوب السودان.
ويقول "مودي": "كانت صدمة كبيرة لبعض لاعبينا، وكانت المرة الأولى التي يسافر فيها البعض خارج البلاد".
وقد حل هؤلاء في المركز الثاني في مجموعتهم لكن بعد سنتين حلوا في المركز الأول ملحقين الهزيمة بـ45 دولة.
ويوضح "مودي": "كانت تلك الميدالية الذهبية الأولى لجنوب السودان في أي رياضة".
وصنّف الاتحاد الدولي للشطرنج جنوب السودان في المرتبة 126 من بين 185 دولة.
الشطرنج بين المعارك
يقول مودي إنه من الصعب تحديد متى بدأت شعبية الشطرنج تنمو، "فخلال الكفاح من أجل الاستقلال عندما لم يكن الضباط والجنود يقاتلون، كانوا يلعبون لعبة الشطرنج، وهناك الكثير من كبار المسؤولين الحكوميين لدينا يلعبون لعبة الشطرنج".
ويشعر مودي بالفخر بالتماسك الموجود بين لاعبي الشطرنج في نادي مونوكي الذي سمي تيمنا باسم حي في جوبا، والذي يلعب فيه أطباء وسفراء أيضا.
ويضيف: "هناك تنوع كبير حقا.. وقد ظهرت هذه الوحدة في عام 2013 عندما كان الصراع قائما فاعتنينا ببعضنا هنا، وفي عام 2016 حصل الأمر نفسه".
ويوضح: "أعتقد أن الرياضة تجمع الأشخاص فعلا.. وجنوب السودان تحتاج إلى أن يتعرف الناس على بعضهم. ليس من خلال العلاقات القبلية أو العرقية، لكن من خلال الطاقات والقدرات والهوايات والمصالح المتبادلة".
ويحلم رئيس الجمعية بحلول يوم يكون فيه لجنوب السودان فسحة خاصة خالية من مشجعي كرة القدم المشاكسين، للعب الشطرنج بهدوء وسلام، وأن تكون هناك برامج تقدم اللعبة في المدارس خصوصا للفتيات.
ويلفت إلى أن "التحدي الذي نواجهه هو أن نرتقي.. يجب أن يلعب المشاركون بشكل تنافسي.. وماديا لا يستطيع معظم لاعبينا تحمل النفقات".
الرغبة في الاستقرار
وسجلت في جوبا مواجهات عنيفة عندما اندلعت الحرب بين مؤيدي الرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار في ديسمبر/كانون الأول 2013، ومرة أخرى في تموز/يوليو 2016 عندما انهار اتفاق سلام.
ووقّع آخر اتفاق لإنهاء الحرب في أيلول/سبتمبر 2018 وقد توقفت المعارك في معظم أنحاء البلاد.
وبالنسبة إلى الشباب مثل ليجيه، يوفر السلام فرصة حقيقية لمستقبل مستقر.
وهو يقول: "نريد أن يلتزم حكامنا الاتفاق لإحلال السلام لأننا نحن كجيل كامل، وأنا كمهندس، نريد المشاركة".