عمالة الأطفال في اليمن.. مستقبل "ضبابي" تغتاله حرب الحوثي
يبتاع مرزوق سعد ابن الـ12 ربيعا، "الحناء" في سوق شعبي غربي اليمن متوسلاً الزبائن بابتسامة وأدب أن يشتروا منه بضاعته.
ويعود إلى منزله وهو يحمل في جيبه من النقود ما يسد بالكاد رمق أسرته المكونة من 6 أشخاص وأم ووالده الذي زجت به الحرب إلى أرصفة البطالة بعد أن أصيب بكسر في ساقة على دراجته النارية في الحديدة قبل 5 أعوام.
سلب البراءة
لم يكن مرزوق على دراية بأن الحرب ستسلب منه براءته الآمنة وتحرمه حقه في حياة الطفولة الآمنة والتي سرقتها مليشيات الحوثي الإرهابية من ملايين الأطفال في اليمن منذ انقلابها على مؤسسات الدولة عام 2014.
ودفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة مرزوق إلى السوق في مهمة الصراع من أجل البقاء والبحث عن فرصة عمل، وهو في هذه السن المبكرة، كواحد من بين آلاف الأطفال اليمنيين الذين تكتظ بهم الشوارع والأسواق وأمام المتاجر والجولات في المدن والقرى على حد سواء.
يقول مرزوق سعد، إن تدهور الأوضاع المعيشية لأسرته جاء إثر توقف مصدر دخلهم الوحيد المتمثل بعمل والده الذي كان يعمل سائق دراجة نارية في مدينة الحديدة، غرب اليمن.
وفي حديثه لـ"العين الإخبارية" يضيف الطفل أنه سعيد بعمله هذا، وإضافة لذلك فهو يبيع الآيس كريم والسنبوسة في سوق آخر كل يوم، وفي بلدته، لكي يساعد في تخفيف أعباء الأسرة المادية.
ويبلغ عدد العاملين الأطفال في مناطق مليشيات الحوثي نحو 7.7 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً، ويشكلون ما نسبته 34.3% من إجمالي السكان، بحسب ما أقرت به المليشيات الشهور الماضية.
مستقبل ضبابي
لا يختلف حال عمرو محمد عن حال مرزوق سعد الذي يبيع "المخلوطة"، أكلة شعبية يمنية، في محل صغير في السوق المركزي في مدينة المخا غربيّ مدينة تعز، جنوبي اليمن.
ويساعد عمرو البالغ من العمر 14 ربيعاً والده في البيع والإعداد، تاركاً مدرسته للمجهول بعد أن قذفت بهم مليشيات الحوثي الإرهابية إلى المدينة كنازحين من مدينة الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر.
وألقت الحرب التي شنتها مليشيات الحوثي الإرهابية بظلالها على حياة اليمنيين، ما أدى لتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتزايد أعداد النازحين بصورة غير مسبوقة، بالإضافة إلى توقف مليشيات الحوثي عن دفع الرواتب لـ9 أعوام متوالية للموظفين اليمنيين.
ونتيجة لذلك تفجرت ظاهرة عمالة الأطفال بشكل لافت في شوارع المدن وأسواقها منذ 2014، ليجد أطفال اليمن أنفسهم وحيدين أمام واقع مرير، معرضين لأنواع شتى من العنف والاستغلال.
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة، إلا أن تقارير حقوقية سجَّلتْ أن عدد الأطفال العاملين في اليمن يفوق 400 ألف طفل، ينتمون للفئة العمرية من 10 إلى 14 عاما، ونسبة الذكور بينهم 55.8%، ونسبة الإناث 44.2%.
وتقول منظمة العمل الدولية إن هناك 1.4 مليون طفل يعملون في اليمن محرومون من أبسط حقوقهم، الأمر الذي يثير حالة من الطوارئ تستوجب تحركاً دولياً للمساعدة على الحد من هذه الظاهرة.
وتشير إلى أن نحو 34.3% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 عاماً يعملون باليمن وأن العدد في ارتفاع متزايد.
وتزايدت عمالة الأطفال في اليمن خلال فترة الحرب بنسب قد تتجاوز 4 أضعاف عما كانت عليه قبل عام 2014، ويؤكد باحثون اجتماعيون أن استمرار التدهور الحاد لأوضاع اليمنيين المعيشية والاقتصادية أدى إلى تصاعد نسب ظاهرة عمالة الأطفال، وأن مناطق الحوثي سجلت أرقاماً قياسية.
ويشير الباحثون إلى أن التبعات المعيشية للحرب دفعت أطفال اليمن إلى العمل لتوفير أساسيات الحياة لعائلاتهم ومواجهة الظروف الصعبة، فتركوا مدارسهم في سبيل ذلك، الأمر الذي يجعل مستقبل اليمن ضبابيا.