أطفال الحديدة.. "كتائب" علم تدحر ظلام الحوثي
"العين الإخبارية" داخل مخيم "الشوكاني" بلحج جنوبي اليمن كشاهد عيان على أطفال نازحي الحديدة حيث يسطرون وجها آخر للمعاناة وللصمود أيضا
في مخيم "الشوكاني" بمحافظة لحج جنوبي اليمن يُسطر أطفال نازحي الحديدة وجهاً آخر للمعاناة وللصمود أيضاً، يقدمون دروساً في الصبر والتحدي، ويصنعون من واقعهم المؤلم حافزاً ودافعاً لإنارة شموع المستقبل.
ولأن نازحي الحديدة أنفسهم أدركوا أن أقلام أطفالهم هي من ستنزل سياطاً على رقاب الحوثيين سارعوا إلى تأسيس مدرسة "الرباط الشرقي" لتنير درب عتمة طفولة اغتالها الانقلابيون.
ومع أن اسم "مدرسة" قد لا ينطبق حرفياً على تلك الخيمة التي يفترش الطلاب فيها الأرض، وفي أحسن الأحوال حصيرة أو قطعة قماش، إلا أن المعنى الاصطلاحي يحمل أبعاداً عميقة تتجاوز ما يمكن أن ينهله طلاب من مدرسة في وضع طبيعي.
أما السبورة، فبدت شبيهة بلوحة إعلانات يكتب عليها بالقلم، في جزئية أظهرت حاجة المدرسة الملحة للدعم، في ظل تزايد احتياجات الأطفال وعددهم، ما يجعلهم في حاجة مستمرة إلى دعم يضاف إلى ما تحصل عليه المدرسة من مؤسس المخيم، أو من منظمات محلية ودولية.
وبدورها، تحصل تلك المنظمات على الدعم من دول التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، سواء من الهلال الأحمر الإماراتي أو مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
رانيا محمد، وكيل مدرسة "الرباط الشرقي"، تحدثت لـ"العين الإخبارية" عن شح الإمكانيات الموجودة لديهم، قائلة إن المدرسة التي تضم 7 فصول للمرحلة الأساسية تفتقر للتجهيزات الضرورية من الأثاث والقرطاسية.
وأضافت أن "العبء الملقى على هذه المدرسة المتواضعة كبير جداً قياساً بالإمكانيات القليلة الموجودة"، داعية المنظمات الإنسانية إلى تقديم الدعم اللازم لـ"إنقاذ أجيال اليمن من الجهل الذي ينشره الحوثي في البلاد".
"أمت الرحمن".. نازحة في الصف الرابع، بدت مرتبكة وهي تواجه كاميرا "العين الإخبارية"، وخجولة إلى درجة أن السواد الأعظم من كلماتها ظل محتبساً على شفاهها.
كانت تضع حقيبة مدرسية على ظهرها، حقيبة قد تكون خالية من أية مستلزمات مدرسية، لكن ما يهم بالنسبة لها هو ذلك الشعور الذي يمنحها إياه وضع الحقيبة والتوجه نحو الفصل.
بين يديها، طوت دفتراً صغيراً، وبدأت أناملها متشبثة بمحيطه الخارجي، وكلما تكلمت ضغطت أصابعها عليه محاولة تجاوز خجلها وارتباكها.
وبصوت أقرب للهمس، قالت "نريد أن نتعلم.. نريد أن نعيش"، داعية المجتمع الدولي إلى "وقف الحرب" التي سلبت بلادها أمنه واستقراره.
وتابعت "سأواصل تعليمي بالكراس والقلم".
مدرسة المخيم.. شموع عِلم تحرق الحوثي
أمثال "أمت الرحمن" في مخيم "الشوكاني" كثيرون.. فتيان وفتيات لم تمنعهم ظروفهم القاسية، وتداعيات تغيير المكان، والأهوال التي شهدوها في الحديدة من مليشيات الحوثي، من التشبث بالعلم جسراً نحو دحر الانقلاب، وإنارة دروب المستقبل.
وهو الحاصل مع قرينتها في الفصل والمخيم "بسمة" التي كانت تتكئ بجسدها الهزيل على حجر اتخذته كرسياً في إحدى زوايا المكان.
وقبل أن نقترب من "بسمة" بدأت دموعها تنهمر على وجنتيها في مشهد جسّد مرارة النزوح لجيل الحرب الضائع في اليمن.
عادت "بسمة" رويداً رويداً إلى سكينتها، وبدأت تتحدث "هربنا من الحرب في الحديدة، جئت إلى هنا مع عائلتي، وتركت أنا وإخوتي حقائبنا في المنزل".
وتكمل "كنت أحلم في إكمال دراستي، وأن أصبح طبيبة.. ينقصنا الكثير في المدرسة هنا ومع ذلك نحن مصممون على الدراسة.. لا يوجد شيء آخر لنا غيرها".
أطفال الحديدة يستنجدون
في ذلك المخيم الممتد على مساحة 17 ألف متر مربع، ويسكنه نحو 3 آلاف من الفارين من انتهاكات الحوثي في الحديدة، تختلف أهازيج الأطفال وأناشيدهم، وتلتصق أغانيهم بواقعهم، وتعبر عن مأساتهم.
فهناك.. تخلى الأطفال حتى عن ترف ترديد الأغاني التي يتداولنها أترابهم في بقية بلدان العالم، واختاروا أن تكون أهازيجهم رسائل تفضح ممارسات الحوثي بحقهم، وتناشد العالم المساعدة لحل أزمة بلادهم حتى تتسنى لهم العودة إلى الديار.
غنوا مرددين "إحنا (نحن) أطفال اليمن ..شوفوا (انظروا) شو (ماذا) صاير (حصل) فينا (بنا).. احمونا من ضرب النار احموا طفولتنا.. هدموا علينا سقف الدار حرقوا مدرستنا.. يا عالم بيكفي (كفى) سكوت يا عالم إحنا (نحن) بنموت".
جميعهم تحدثوا لـ"العين الإخبارية" عن منازلهم في الحديدة، وعن لعبهم التي تركوها هناك، وعن مدارسهم التي قصفها الحوثي أو حولها إلى ثكنات، عن أبناء عمومتهم أو جيرانهم الذين قضوا دروعاً بشرية للمليشيا، أو "جنوداً" في صفوفها.
نظراتهم العميقة ترجمت نضجاً مبكراً.. بدت عقولهم الصغيرة واعية بواقعهم بشكل تام، ودّعوا طفولتهم مبكراً، ودخلوا مرحلة الكهولة قبل الأوان، كيف لا واليوم يمر عليهم دهراً، والأيام تنساب رتيبة عاجزة حتى الآن عن إعادتهم إلى الديار.
احتبست الكلمات على شفاهنا نحن هذه المرة، واحترنا هل نبتسم تشجيعاً لهم أم نبكي رثاء لطفولة سرقتها المليشيا الانقلابية؟
غادرنا المخيم، وودعنا أطفاله راكضين وراء السيارة، رافعين أياديهم للأمل، لغد يرجون من كل جوارحهم أن يكون أفضل، لمساعدات إضافية تقيهم تقلب الطقس والجوع، إلى معجزة تجتث الحوثي من بلادهم وتعيده سعيداً كما كان.