مبعوث صيني بالقرن الأفريقي.. دلالات قرار بكين ومآلاته
![أطفال أفراقة يحملون علم الصين](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2022/1/09/79-003440-china-africa-envoy-economy_700x400.jpg)
في تحرك موازٍ للنهج الاقتصادي والتجاري التقليدي، عيّنت الصين مبعوثا جديدا لها في منطقة القرن الأفريقي.
في خطوة وصفت بأنها "سياسية بامتياز"؛ لتعزيز مكانة بكين في القارة السمراء والمنطقة، ولتقدم بكين نفسها للعالم كوجه آخر أكثر انفتاحا من الولايات المتحدة، لا سيما بعدما فرضت واشنطن عقوبات على 3 دول أفريقية هي إثيوبيا ومالي وغينيا.
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن بلاده ستعيّن مبعوثا خاصا لمنطقة القرن الأفريقي، لدعم الجهود المبذولة للتغلب على التحديات الأمنية الحالية وضمان السلام والازدهار في المنطقة على المدى الطويل.
وأضاف وانغ، في مؤتمر صحفي مع وزيرة خارجية كينيا رايشيل أومامو في مومباسا، الخميس، أن مصير المنطقة يجب أن يكون في أيدي دول القرن الأفريقي.
وغداة الإعلان الصيني، قررت الولايات المتحدة تعيين ديفيد ساترفيلد، السفير الأمريكي السابق لدى تركيا، مبعوثا خاصا إلى القرن الأفريقي، خلفا لجيفري فيلتمان، حتى "تظل منخرطة بنشاط في هذه المنطقة الاستراتيجية".
خبراء ومراقبون يرون أن الصين حجزت لنفسها موقعا مميزا داخل أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي منذ فترة طويلة، عبر بوابة المساعدات والقروض والاستثمارات والمشاريع الصناعية والتنموية، ومؤخرا بتعيين مبعوث جديد لها.
وتعمل الصين منذ فترة طويلة على توسيع نفوذها وتثبيت أقدامها في العديد من المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل القرن الأفريقي.
وبادرت بكين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2000 بإنشاء منتدى التعاون الصيني - الأفريقي، لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين الصين والبلدان الأفريقية في القطاعين العام والخاص، وأصبح مؤخراً يضم في عضويته أكثر من 45 دولة أفريقية، وهو ما أسهم في ترسيخ الحضور الصيني في أفريقيا.
كما مولت بكين عددا من المشاريع العامة في جيبوتي، حيث قدمت نحو 16.6 مليون دولار لتمويل المشروعات التنموية في جيبوتي.
يشار إلى أن الاستثمارات الصينية في منطقة القرن الأفريقي ترتكز على قطاعات الطاقة والبنية التحتية.
تنامي الدور الصيني
يقول السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لشؤون السودان، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن تعيين مبعوث صيني للمنطقة يأتي فى سياق تنامي دورها، والاهتمام بما يجري من تطورات بها على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
واستدل على هذا الدور "بتخصيص الصين نحو 60 مليار دولار للاستثمار فى القارة السمراء؛ اعتبارا من العام الحالي لدعم تواجدها بالقارة".
وبالتوازي مع تلك الاستثمارات، أنشأت بكين في منطقة القرن الأفريقي قاعدة عسكرية بدولة جيبوتي العام الماضى، قوامها نحو 10 آلاف جندي، لحماية مصالحها، علاوة على دورها ضمن حفظ السلام في أفريقيا، لا سيما أن منطقة القرن الأفريقي تعاني حالة من عدم الاستقرار والتوتر الأمني.
وجود مرحب به
يرى السفير صلاح حليمة، أن التواجد الصيني بمنطقة القرن الأفريقي لا يحمل تدخلا مباشرا في شؤون الآخرين "ليس للدولة الآسيوية تاريخ استعماري بمنطقة القرن الأفريقي أو عموم القارة؛ لذا فوجودها مرحب به من نخب وقيادات أفريقية".
وطالما نأت بكين بنفسها دائماً عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول القارة، ودحض مسؤولوها في مناسبات عدة مزاعم وجود "طموحات استعمارية" تدفعها للتغلغل في القارة.
كما يلمح نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية إلى أن هناك صراع نفوذ وتنافسا بين الصين وأمريكا في منطقة القرن الأفريقي، "ففي إثيوبيا فإن الوجود الصيني أكبر وأعمق من الأمريكي، بعكس السودان، خاصة بعد التوترات التي تشهدها العلاقات الأمريكية الإثيوبية"، بحسب تقديره.
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً أن إثيوبيا لن تكون مؤهلة للحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية على صادراتها إلى الولايات المتحدة، اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2022، بسبب العقوبات الأمريكية.
وضمن الخطوات الأمريكية للحاق بالحضور الصيني المؤثر في منطقة القرن الأفريقي، وعد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأن تتعامل الولايات المتحدة مع الدول الأفريقية الند للند، بدلاً من كونها "موضوعات جيوسياسية"، في أعقاب زيارة الأخير لعدد من الدول الأفريقية هي نيجيريا، وكينيا والسنغال.
كما كشف عن أن الرئيس جو بايدن يعتزم عقد قمة أمريكية- أفريقية، لتأكيد التزامات إدارته حيال القارة.
وتتمتع قارة أفريقيا وتحديدا منطقة القرن الأفريقي برصيد ضخم من الموارد الطبيعية والطاقة البشرية تجعلها أفضل بيئة لفرص الاستثمار الهائلة، ما جعلها ساحة للتنافس وتصارع النفوذ بين الصين والولايات المتحدة ودول أوروبا.
المبعوث العربي مطلوب
مع تعيين المبعوث الصيني بالقرن الأفريقي، يدعو مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق إلى تحرك جامعة الدول العربية كمنظمة، وأيضا دول بعينها، لتعيين مبعوثين لها في السودان ومنطقة القرن الأفريقي بشكل عام.
وأردف: "هذا الأمر في غاية الأهمية على مستوى الجامعة ومستوى الدول العربية خاصة دول الجوار".
كما طالب السفير صلاح حليمة بتفعيل دور مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي جرى تأسيسه قبل عام، "القرن الأفريقي جزء من هذا المجلس، ما يستدعي اهتماما أكبر، وأن يكون له دور في الوقت الحاضر في ظل هذه المؤثرات التي تجري في المنطقة".
الابتعاد عن النهج التقليدي
بتعيين مبعوث صيني جديد بمنطقة القرن الأفريقي، تكون بكين قد فارقت نهجها التقليدي في الابتعاد عن السياسة والأدوات السياسية.
وترى الدكتورة أماني الطويل، مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن "المبعوث الصيني بمنطقة جغرافية واستراتيجية هامة ستكون له مهمة سياسية في المقام الأول".
وتضيف: "للمرة الأولى تلجأ بكين لطرح وجهات نظر سياسية عبر آليات محددة، وهو ما سيكون له تأثير على مجمل التفاعلات في منطقة القرن الأفريقي"، وفقا لتوضيح الطويل، التي أشارت أيضا إلى أن "الصين تقدم من خلال مبعوثها طرحا منافسا وقويا للطرح الأمريكي".
تخفيض التوتر
ترى "الطويل" أن حديث الصين الرسمي عن تعيين مبعوث لها لمواجهة التحديات الأمنية يحمل صياغة تسعى إلى "تخفيض التوتر المرتبط بخطوتها الجديدة؛ حيث إن لديها بالفعل وجودها العسكري فى منطقة القرن الأفريقي وتحديدا فى جيبوتي".
خطوة المبعوث الرسمي الجديدة، وتغلغلها اقتصاديا بالمنطقة، وتطويرها المستمر لأدواتها، دفعت مدير البرامج الأفريقية بمركز الأهرام، إلى التوصل لنتيجة مفادها بأن "بكين لديها آليات وأدوات أكثر فاعلية وتأثير على الأرض، فى منطقة القرن الأفريقي، من واشنطن".
لكنها لم تغفل كذلك أن للولايات المتحدة أيضا أوراقا سياسية وتحالفات تاريخية سيتم اختبار مدى صمودها.
دلالة سياسية
السفير عزت سعد، مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية، يطرح بعدا آخر لتعيين المبعوث الصيني الجديد.
ويقول "سعد" -في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"- إنه "في ضوء مصالحها الاقتصادية والتجارية والأوضاع المضطربة في المنطقة، إضافة إلى كونها عضوا دائما في مجلس الأمن، رأت بكين تعيين مبعوث دائم لها في المنطقة".
ويتابع: "الخطوة لها دلالة سياسية، وتعكس اهتماما خاصا بتلك المنطقة، ورغبتها في البقاء على تواصل دائم معها، بحيث يكون لها رأي وتقييم خاص فيما يتعلق بتطورات الأوضاع بهذه المنطقة".
ويعتبر أيضا أن "الخطوة الصينية التي وصفها بـ"الطبيعية" تأخرت كثيرا في ظل نفوذها المتنامي بالمنطقة، واستثمارات ضخمة في هذا الجزء من العالم؛ لذا فهي معنية بحكم مصالحها بالانخراط في هذا المنطقة".
ووفقا لرأيه "ستشهد منطقة القرن الأفريقي خلال الفترة المقبل تبادلا للنفوذ بين الدولتين، "هي عملية مستمرة وستتوقف على ديناميكيات الحركة في هذه المنطقة".
استثمارات ضخمة رغم كورونا
ورغم التأثير السلبي لجائحة "كوفيد-19" على الاقتصاد والتجارة حول العالم، فقد بلغ الاستثمار الصيني في أفريقيا نحو 2.96 مليار دولار خلال عام 2020، بزيادة تصل إلى نحو 9.5% على أساس سنوي، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الصينية الجديدة (شينخوا).
وشهد الاستثمار الصيني في قطاع الخدمات بأفريقيا زيادة كبيرة، حيث ارتفع الاستثمار في القطاعات الفرعية مثل البحث العلمي وخدمات التكنولوجيا والنقل والتخزين وخدمات البريد بواقع أكثر من الضعفين، بحسب التقرير.
وبحسب تقرير لـ"المعهد الأمريكي الصيني للبحوث والمبادرات"، فإن حجم الديون الأفريقية لدى الصين قد بلغ 132 مليار دولار.
وفي كتابه الذي يحمل عنوان "صعود القوة الناعمة للصين" يقول جوزيف ناي الذي يعمل أستاذاً للخدمة المتميزة بجامعة هارفارد: إن عصر المعلومات العالمي، والمصادر الناعمة للقوة مثل الثقافة، والقيم السياسية والدبلوماسية، تُعد جميعها جزءاً مما يصنع قوة عظيمة.
ويضيف أن "النجاح (بهذه القوة الناعمة) لا يعتمد على من سيفوز جيشه، وإنما أيضاً من ستفوز قصته"، و"أن الصين حريصة على دعم الجهود التي تقودها أفريقيا لتطوير حوكمة سليمة، وتنمية مستدامة في شتى أنحاء القارة".