تغير في تفضيلات الفخامة بالصين.. علامات محلية تدخل سوق المجوهرات الفاخرة

في العديد من الصناعات في الصين، يشهد تفضيل المستهلكين تحوّلًا كبيرًا.
أصبحت العلامات التجارية المحلية تكتسب مكانة متقدمة في قطاعات مثل السيارات الكهربائية، ومستحضرات التجميل، والملابس الرياضية، مدفوعة بارتفاع الشعور بالفخر الوطني وتحسّن جودة المنتجات. ومع ذلك، ظلّت المجوهرات الفاخرة من الفئات القليلة التي حافظت فيها الأسماء الغربية، لا سيما الأوروبية منها مثل "كارتييه" و"فان كليف أند آربلز"، على هيمنتها حتى وقت قريب.
ووفقاً لتقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، بدأت هيمنة الصين في قطاع المجوهرات الفاخرة في الارتفاع. ويقود هذا التحول علامة صينية محلية تُدعى "لاوبو غولد". كانت لاوبو في السابق صائغًا تقليديًا، لكنها أعادت ابتكار نفسها وأصبحت واحدة من أسرع العلامات الفاخرة نموًا في آسيا، إذ غيّرت مفاهيم المستهلكين من خلال المزج بين التصميم المستوحى من التراث الفاخر والطابع العصري.
ويعتمد صعود "لاوبو" في المقام الأول على تبنّيها الواضح للعناصر الثقافية الصينية، اذ تتضمن مجموعاتها قطعًا من الذهب الخالص عيار 24 مزينة برموز تقليدية عريقة مثل التنين والعنقاء وغيرها من الرموز التي تعبّر عن التراث الصيني العميق. وقد لاقت هذه التصاميم رواجًا كبيرًا بين جيل الشباب الصيني الثري، الذي لا يبحث فقط عن الرفاهية، بل عن الرفاهية التي تعكس هويته الثقافية والفخر الوطني.
وقد أثمرت هذه الاستراتيجية، خاصةً مع اعتماد الشركة لأساليب بيع متميزة مثل التسعير الثابت، والإصدارات المحدودة، وبناء قاعدة جماهيرية مخلصة. وساعدت هذه الخطوات على رفع قيمة العلامة التجارية وجعلها مرغوبة بشدة، مما منح "لاوبو" موقعًا فريدًا في سوق مزدحم بالمنافسة. ووفقًا للأرقام، تضاعفت مبيعات المتاجر الرئيسية هذا العام، فيما ارتفعت المبيعات عبر الإنترنت بأربعة أضعاف، مما يعكس قوة الزخم المستمر في المبيعات.
أداء السهم
وتظهر هذه الطفرة أيضًا في أداء السهم في السوق. فمنذ إدراجها في البورصة قبل عام، قفز سعر سهم "لاوبو" بأكثر من 14 ضعفًا، ليرتفع رأسمالها السوقي إلى أكثر من 170 مليار دولار هونغ كونغي (ما يعادل نحو 21.7 مليار دولار أمريكي). وبهذا، تجاوزت الشركة قيمة "تشاو تاي فوك"، التي لطالما اعتُبرت الاسم المسيطر في سوق المجوهرات في الصين.
ومع ذلك، لا تزال "لاوبو" تواجه تحديات كبيرة. فهي تعتمد بشكل كبير على السوق المحلية، وتبقى حساسيتها مرتفعة تجاه معنويات المستهلكين الصينيين، بالإضافة إلى ارتباط أدائها بجاذبية الذهب كاستثمار. وعلى عكس علامات فاخرة عالمية مثل "هيرميس" أو "ريشمونت"، لم تُثبت "لاوبو" بعد قدرتها على الحفاظ على التسعير الفاخر في فترات الركود الاقتصادي أو خارج السوق المحلية.
كما أن تنوع منتجاتها محدود، فهي تركز بشكل رئيسي على المجوهرات الذهبية ذات الطابع الصيني. ورغم أن إيراداتها قد تضاعفت في العام الماضي، فإنها لا تزال تمثل جزءًا صغيرًا من مبيعات المجموعات العالمية الكبرى. ويطرح ذلك تساؤلات حول قدرتها على توسيع حضورها جغرافيًا وتنويع محفظة منتجاتها.
ورغم هذه القيود، فإن صعود "لاوبو" يشير إلى نقطة تحول مهمة في سوق السلع الفاخرة العالمي. ولطالما كانت الصين أكبر مستهلك للسلع الفاخرة في العالم، لكن بروز "لاوبو" يُظهر أنها باتت قادرة أيضًا على أن تكون منتجًا ومصدرًا موثوقًا للترف. وهذا يعكس تحولات أعمق في الاقتصاد الصيني، حيث لم تعد العلامات المحلية تسعى فقط للحاق بالركب، بل بدأت تقوده في بعض القطاعات.
ولكي تضمن "لاوبو" مكانها بين النخبة العالمية من علامات الفخامة، سيتعين عليها إثبات قدرتها على الصمود في وجه تقلبات السوق، وبناء هوية دولية قوية، وتوسيع عروضها خارج نطاق المجوهرات الذهبية التراثية. ومع ذلك، فإن ما حققته حتى الآن يُعد إنجازًا كبيرًا، لم يكن يُتصور أن تصل إليه علامة صينية في هذا المجال.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه العلامات الفاخرة العالمية تكافح للتكيّف مع السوق الصينية وتلبية تفضيلات المستهلك المحلي، فإن استراتيجية "لاوبو" المتجذرة في الثقافة قد منحتها أفضلية يصعب تقليدها. ويبقى السؤال: هل ستتمكن من الحفاظ على هذه الأفضلية في مسيرتها نحو العالمية؟