الروبوتات.. محرك الهيمنة الصناعية للصين

تسابق الصين الزمن لترسيخ موقعها كقوة صناعية عالمية عبر الاعتماد المكثف على الروبوتات الصناعية.
وتشير بيانات حديثة إلى أن وتيرة تصنيع وتركيب هذه الروبوتات داخل المصانع الصينية تفوقت على باقي دول العالم مجتمعة، لتجعل من بكين اللاعب الأول بلا منازع في هذا القطاع.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن تقرير للاتحاد الدولي للروبوتات، إن المصانع الصينية أضافت العام الماضي ما يقرب من 300 ألف روبوت جديد، وهو رقم يفوق مجموع ما تم تركيبه في بقية الدول. وبذلك يرتفع عدد الروبوتات العاملة في الصين إلى أكثر من مليوني روبوت، في حين لم تتجاوز عمليات التركيب في الولايات المتحدة 34 ألفاً فقط. ويبرز هذا التفاوت المسافة الكبيرة بين الصين وأقرب منافسيها، ويؤكد أن بكين تمضي بخطوات واسعة نحو أتمتة الإنتاج.
سياسة حكومية ممنهجة
ولم يكن هذا التقدم وليد الصدفة، بل ثمرة استراتيجية طويلة الأمد انتهجتها الحكومة الصينية منذ عام 2015، حين أطلقت برنامج "صُنع في الصين 2025" الذي جعل من تطوير الروبوتات هدفاً وطنياً. ومنذ ذلك الحين، وفّرت الدولة قروضاً منخفضة الفائدة، ودعماً مباشراً للشركات، إضافة إلى تشجيعها على الاستحواذ على شركات أجنبية، بهدف نقل التكنولوجيا وتعزيز القدرة التنافسية محلياً.
وفي عام 2021، كشفت بكين عن خطة وطنية مفصلة لتوسيع استخدام الروبوتات، وقد أثبتت هذه الخطة فعاليتها، إذ ارتفعت حصة الصين من إنتاج الروبوتات العالمية العام الماضي إلى ثلث السوق العالمية، بعدما كانت لا تتجاوز الربع عام 2023. وبذلك تخطت الصين اليابان، التي كانت تتصدر لسنوات، حيث تراجعت حصتها إلى 29% بعدما كانت 38%.
الروبوتات تقود التحول الصناعي
ويمتد استخدام الروبوتات في الصين من خطوط إنتاج السيارات إلى مستودعات التعبئة، حيث تقوم أذرع ميكانيكية بلحام الهياكل أو نقل الصناديق إلى خطوط النقل. ومع إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي، بات بالإمكان مراقبة أداء الآلات بدقة، والتدخل في الوقت المناسب لإصلاح أي خلل. ويشير خبراء إلى أن الشركات الصينية تنظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره أداة تشغيلية أساسية في التصنيع، بينما لا تزال شركات غربية تتعامل معه بشكل محدود في هذا المجال.
ويرى المحلل التكنولوجي ليان جاي سو من شركة "أومديا" للأبحاث أن نجاح الصين في هذا المضمار جاء نتيجة "سنوات من الاستثمارات المنظمة"، مؤكداً أن ما يحدث يشبه إلى حد كبير الصعود الصيني في مجالات السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي.
تراجع المنافسين
في المقابل، شهدت الدول الأربع التالية للصين في استخدام الروبوتات –اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وألمانيا– انخفاضاً في معدلات التركيب العام الماضي.
فاليابان، التي كانت لاعباً أساسياً، أضافت 44 ألف روبوت فقط. هذا التراجع يعكس فجوة متزايدة، ويطرح تساؤلات حول قدرة هذه الاقتصادات على اللحاق بالصين في سباق الأتمتة.
وحتى وقت قريب، كانت الصين تعتمد بشكل أكبر على الروبوتات المستوردة. لكن العام الماضي شكّل نقطة تحول، إذ بات نحو 60% من الروبوتات المركبة في المصانع صينية الصنع. ورغم أن بكين لا تزال متأخرة في تصنيع بعض المكونات الدقيقة مثل أجهزة الاستشعار والرقائق المتقدمة، فإنها تحقق تقدماً متسارعاً، مدفوعة بنمو شركات ناشئة في مجالات الروبوتات الآلية والروبوتات الشبيهة بالبشر.
من بين هذه الشركات، "يوني تري روبوتيكس" التي تتخذ من مدينة هانغتشو مقراً لها، وأعلنت مؤخراً نيتها الطرح في البورصة. وتطرح الشركة نسخاً أساسية من الروبوتات الشبيهة بالبشر بسعر لا يتجاوز ستة آلاف دولار، مقارنة بأسعار أعلى بكثير لدى منافسين أمريكيين مثل "بوسطن دايناميكس".
تحديات وموارد بشرية
ورغم النجاحات، تواجه الصين تحدياً يتمثل في نقص الكوادر المتخصصة في تركيب وتشغيل الروبوتات. هذا النقص أدى إلى ارتفاع أجور الفنيين والمبرمجين إلى قرابة 60 ألف دولار سنوياً، وهو رقم مرتفع مقارنة بمتوسط الرواتب في قطاعات صناعية أخرى داخل البلاد. لكن توفر قاعدة واسعة من المهندسين والفنيين ساعد على سد الفجوة نسبياً، ما منح الصين ميزة إضافية أمام منافسيها.
وتعكس الأرقام واقعاً بات مؤكداً: فالصين تملك اليوم خمسة أضعاف عدد الروبوتات العاملة في الولايات المتحدة، وتنتج ما يقارب ثلث المنتجات المصنعة عالمياً، متفوقة على اقتصادات كبرى مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية مجتمعة. ومع استمرار ضخ الاستثمارات وتكامل الروبوتات مع الذكاء الاصطناعي، يبدو أن الصين ماضية لترسيخ موقعها؛ المصنع الأول للعالم لعقود قادمة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTYg جزيرة ام اند امز