الصين قادمة.. تحول علمي تاريخي يعيد رسم موازين القوى الدولية
بكين تنطلق نحو ريادة بحثية هي الأسرع نموًا في التاريخ الحديث
أشار تقرير حديث نشرته مجلة نيتشر العلمية إلى أن الصين باتت اليوم في قلب تحول تاريخي يعيد صياغة المشهد العالمي للعلوم.
فبعد عقود من التعاون التكنولوجي والمعرفي مع الغرب، استطاعت بكين أن تحوّل ما تلقته من خبرات إلى قاعدة انطلاق نحو ريادة بحثية تُعدّ الأسرع نموًا في التاريخ الحديث.
وأكدت الكاتبـة كيري براون في مقالها أن الرهان الغربي على «استرجاع المقابل لاحقًا» لم يتحقق؛ بل جاءت النتيجة عكسية بعدما ضخت الصين استثمارات ضخمة ومدروسة في التعليم والبنية البحثية والتنسيق المؤسسي.
توجيه الأبحاث بدقة
وهذا التحوّل لم يقتصر على الكمّ. فالصين لم تعد دولة تنتج عددًا كبيرًا من الأبحاث فحسب، بل باتت توجه هذه الأبحاث بدقة نحو أولويات قومية تشمل الذكاء الاصطناعي، المناخ، التكنولوجيا المتقدمة والبحث التطبيقي.
ويشير التقرير إلى أن هذا النهج جعلها تتجاوز دولًا مثل الولايات المتحدة وأغلب القوى الأوروبية في مجالات علمية كانت تاريخيًا جزءًا من النفوذ الغربي العلمي.
وتبرز الصين اليوم كنموذج فريد في القدرة على ربط مكوّنات المنظومة العلمية: الجامعات، ومراكز البحث، والقطاع الخاص، والحكومة. هذا التكامل يسمح بتحويل الاكتشافات العلمية إلى تطبيقات عملية بسرعة تفوق نظيراتها في الغرب، حيث لا يزال العمل البحثي موزّعًا بين مؤسسات متعددة وبأجندات غير متناسقة.
مؤشرات الإنتاج العلمي
وتعزز أرقام نيتشر هذه الصورة؛ فالصين تتصدر الآن مؤشرات الإنتاج العلمي عالي الجودة في العلوم الطبيعية، بينما تسجّل تفوقًا واضحًا في مجالات الهندسة، علوم المواد، والحوسبة. مؤسسات مثل الأكاديمية الصينية للعلوم تواصل تصدر قوائم الإنتاج في الكيمياء والفيزياء والبيئة، فيما أصبحت مدن كبرى مثل بكين وشنغهاي من بين أهم المراكز العلمية على مستوى العالم.
وتحذّر براون من أن استمرار هذا التحول قد يترك آثارًا بعيدة المدى ليس فقط على خريطة الابتكار، بل على قدرة العالم في مواجهة تحديات كبرى تشمل تغيّر المناخ، الأمن الغذائي، والأوبئة. هذه القضايا تتطلب منظومة علمية متماسكة وقوية؛ وهو ما تعمل الصين على بنائه بكثافة بينما يتراجع الزخم البحثي في عدة دول متقدمة.
وتخلص الكاتبة إلى أن الوقت قد حان لصياغة استراتيجية بحثية جديدة في الغرب: التمويل وحده لم يعد كافيًا. المطلوب رؤية طويلة المدى، وتنسيق مؤسسي فعّال، واستثمار جاد في المواهب الشابة. من دون ذلك، قد تجد الدول المتقدمة نفسها على هامش سباق علمي تُعيد الصين تشكيل قواعده.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTAg جزيرة ام اند امز