واشنطن أمام لحظة فارقة.. هل تقود سباق التكنولوجيا عالمياً؟

في تحرك لافت، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إلغاء الضوابط التي فرضتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
مراقبون اعتبروا تلك الخطوة؛ هي الأولى نحو تبني رؤية جديدة تسعى لتعزيز النفوذ التكنولوجي الأمريكي عالميًا في مواجهة التوسع الصيني المتسارع في هذا المجال.
وقوبل القرار، الذي أعلنه ديفيد ساكس، كبير مستشاري الرئيس لشؤون الذكاء الاصطناعي، بتأييد داخل الدوائر الاقتصادية المحافظة، حيث اعتُبر بمثابة إعلان نهاية "قاعدة بايدن لنشر الذكاء الاصطناعي"، والتي قال ساكس إنها "قيدت انتشار التكنولوجيا الأمريكية في العالم".
سباق عالمي على البنية التحتية الرقمية
ووفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، فإن التوجه الجديد يأتي في وقت حاسم، إذ أصبحت التكنولوجيا الرقمية -من مراكز البيانات إلى الخدمات السحابية والاتصال الفضائي- محورًا أساسيًا في استراتيجيات التنمية والأمن حول العالم. ومن البرازيل إلى السعودية، مرورًا بإندونيسيا وكينيا، تتزايد شهية الدول لبناء بنى تحتية رقمية حديثة.
ويبدو أن واشنطن تتجه الآن لتفادي أخطاء الماضي. فبينما نجحت شركات صينية مدعومة من الدولة -أبرزها هواوي- في السيطرة على أسواق الجيل الخامس، لم تقدم الولايات المتحدة حينها بدائل حقيقية قادرة على منافستها في الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من التحديات، لا تزال الولايات المتحدة تمتلك اليد العليا من الناحية التكنولوجية. فهي تهيمن على نحو 70% من سوق الحوسبة السحابية، وتتصدر قطاع الرقائق والنماذج الذكية والبنية التحتية الرقمية والفضائية، عبر شركات مثل أمازون ومايكروسوفت وإنفيديا وسبيس إكس.
لكن هذه المزايا لا تكفي، وفقاً لتقرير فورين بوليسي، ما لم تُترجم إلى سياسات نشطة، ودبلوماسية تقنية مرنة، وأدوات تمويل فعّالة تدعم نشر التكنولوجيا الأمريكية عالمياً.
محاور لإصلاح "الدبلوماسية الرقمية"
ورأى التقرير إن الولايات المتحدة تمتلك أدوات مثل مؤسسة تمويل التنمية الدولية (DFC) وبنك EXIM، لكنها تعاني من قيود بيروقراطية وسقوف إقراض لا تواكب حجم المشاريع الرقمية. ودعا التقرير الخبراء إلى رفع سقف تمويل DFC إلى 100 مليار دولار، وتعديل شروط EXIM لتصبح أكثر مرونة، والسماح باحتساب مكونات الحلفاء ضمن متطلبات الإنتاج.
كما أن الوجود الأمريكي في مجال "الدبلوماسية الرقمية" لا يزال ضعيفًا، إذ لا يملك أغلب الدبلوماسيين الأمريكيين الخبرة التقنية اللازمة لمواجهة ملفات معقدة كالذكاء الاصطناعي والبنى التحتية السحابية. ويقترح التقرير تعزيز هذا الوجود عبر تدريب دبلوماسيين تقنيين وتوسيع مكاتب التجارة الخارجية.
ومن ناحية أخرى، يمكن بناء شراكات مخصصة. فغالبًا ما تخسر الشركات الأمريكية عقودًا لصالح منافسيها الصينيين رغم تفوقها، بسبب ضعف الدعم السياسي. ويقترح المحللون أن تقدم واشنطن عروض شراكة مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الدول – سواء في توسيع الاتصال، أو بناء مراكز بيانات، أو تطبيق الذكاء الاصطناعي في الحكومة. وهذه الشراكات يجب أن تُربط بضمانات الأمن السيبراني وحماية الملكية الفكرية، مع تقديم تسهيلات في التصدير والتمويل.
كما يمكن بناء تحالفات جديدة. ويبرز في هذا السياق دور الحلفاء مثل اليابان، التي يمكن التعاون معها لنشر شبكات الاتصال المفتوح (Open RAN) في آسيا، والاتحاد الأوروبي لربط أفريقيا بكابلات بحرية. كما تُعد الهند ونرويج من الشركاء المحتملين في بناء نموذج عالمي بديل للهيمنة التقنية الصينية.
لحظة مفصلية في السباق الرقمي
وأكد التقرير إنالسباق العالمي نحو السيطرة على البنية التحتية الرقمية الاستراتيجية دخل مرحلة حرجة. الولايات المتحدة تمتلك الشركات والموارد والتحالفات، لكن ينقصها -كما يشير التقرير- رؤية واضحة ومتناسقة توظّف هذه القدرات في نموذج جديد لقيادة العالم في عصر الذكاء الاصطناعي.
مع إلغاء "قاعدة بايدن"، يبدو أن إدارة ترامب وضعت اللبنة الأولى في هذا المسار. والسؤال الآن: هل تكفي هذه الخطوة لكسب الجولة القادمة من المنافسة التقنية العالمية؟