معادلة الردع الاقتصادي.. المعادن النادرة تتحول إلى ركيزة توازن

أعلنت الصين هذا الأسبوع فرض قيود شاملة على صادراتها من المعادن النادرة، وذلك في خطوة تعكس تحوّلاً استراتيجياً في أدواتها للضغط.
ووفقا لتحليل نشرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية فإن الإجراء يشمل حتى المعادن التي تحتوي على آثار بسيطة من العناصر الأرضية النادرة.
وتكسر الصين بذلك هدنة تجارية غير مستقرة مع الولايات المتحدة. وجاء الرد من واشنطن عبر الرئيس دونالد ترامب، الذي هدد بفرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على المنتجات الصينية، إلى جانب قيود متوقعة على صادرات البرمجيات الأمريكية الحيوية. وفيما كانت الأنظار تتجه نحو لقاء محتمل بين ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في وقت لاحق من هذا الشهر، فإن التصعيد الحالي يضع هذا اللقاء في مهب الريح، ويهدد بعودة الحرب التجارية إلى مستويات أكثر حدة من أي وقت مضى.
والقرار الصيني الجديد، الذي يدخل حيز التنفيذ مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل، لا يقتصر على تصدير المواد الخام المستخدمة في الصناعات المتقدمة، بل يشمل أيضًا أي منتج يحتوي على عناصر نادرة، ما يمنح بكين نفوذًا واسعًا على صناعات عالمية متعددة تمتد من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية إلى أنظمة التسليح العسكرية المتطورة. واللافت أن هذه الخطوة جاءت في وقت حساس، إذ كانت الإدارة الأمريكية تحاول، من خلال أدوات تفاوضية، احتواء التوترات السابقة وتثبيت قواعد تعامل جديدة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
تصعيد محسوب
وبحسب تحليل "بوليتيكو"، فإنه من الناحية الاقتصادية، تعكس هذه الخطوة الصينية تصعيدًا محسوبًا يهدف إلى اختبار حدود السياسة الأمريكية القائمة على الصفقات قصيرة الأجل، كما تكشف عن فارق جوهري في الرؤية الاستراتيجية بين البلدين. فبينما تتبع بكين نهجًا طويل الأمد يقوم على بناء نفوذ تراكمي عبر السيطرة على الموارد وسلاسل التوريد العالمية، تعتمد إدارة ترامب على سياسة ردود الأفعال السريعة والقرارات الفورية، وهو ما دفع محللين إلى تشبيه الصراع القائم بلعبة شطرنج ثنائية الأبعاد من الجانب الأمريكي في مقابل لعبة متعددة المستويات تخوضها الصين.
ولعل أخطر ما في هذا التصعيد ليس الإجراءات نفسها، بل ما تحمله من رسائل. فبكين، من خلال تشديدها للقيود، تشير بوضوح إلى أنها تملك القدرة على خنق الاقتصاد العالمي إذا ما اقتضت الحاجة، في حين أن واشنطن لا تزال تحاول تقليل اعتمادها على الصين في مجال المعادن النادرة، وهي عملية قد تستغرق سنوات. وبرغم توقيع ترامب في وقت سابق أمرًا تنفيذيًا يهدف إلى تعزيز إنتاج المعادن داخل الولايات المتحدة، إلا أن البنية التحتية اللازمة لذلك ما زالت غير مكتملة.
الأثر الفوري لهذا التصعيد تمثل في تراجع الأسواق المالية الأمريكية، حيث هبط مؤشر S&P 500 بأكثر من 2%، ما يعكس قلق المستثمرين من دخول العالم في مرحلة جديدة من الحروب الاقتصادية التي تتجاوز الرسوم الجمركية لتصل إلى قلب الصناعات التكنولوجية والعسكرية.
الترابط الاقتصادي العالمي
في السياق نفسه، يرى مراقبون أن ما يحدث اليوم هو تذكير صارخ بحقيقة الترابط الاقتصادي العالمي، وبمدى هشاشة التوازن القائم بين القوتين. ورغم أن الصين لم تُغلق الباب بالكامل، مشيرة إلى رغبتها في إنشاء آليات تنسيق لضبط الصادرات والحفاظ على استقرار سلاسل التوريد، فإن نبرة التهديد تظل حاضرة، وتدل على أن بكين تسعى لإعادة صياغة قواعد اللعبة، وليس مجرد الدفاع عن مصالحها.
وفي ظل هذا الواقع الجديد، يتعين على واشنطن أن تعيد تقييم استراتيجيتها تجاه الصين، بعيدًا عن النظرة التجارية الضيقة، نحو رؤية أكثر شمولًا تأخذ في الاعتبار البعد الجيوسياسي والاقتصادي والتكنولوجي للصراع الدائر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز