الغرب و«هدنة الكريسماس».. فاصل حربي
في العديد من الحروب، سكتت أصوات البنادق، أو خفت حدتها على الأقل، في نهاية السنة.
وحتى في أكثر الحروب دمويةً وفتكًا، كانت هناك لحظات من الهدوء أوما يمكن أن نسميه "سلامًا" مثلما حدث قبل 111 عامًا، في 24 ديسمبر/كانون الأول 1914، عندما اندلعت "هدنات" متفرقة وغير مخطط لها على طول الجبهة الغربية خلال الحرب العالمية الأولى.
ووفقا لموقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي، فقد ساهمت عدة عوامل في القرار التلقائي إلى حد كبير من كلا الجانبين بتعليق الحرب ليوم واحد.
وكان الصراع قد بدأ قبل ما يقل عن ستة أشهر، وكان الجنود على جانبي الخطوط قد تحصنوا بالفعل، مما أدى إلى ظهور حرب الخنادق التي أصبحت لاحقا ركنًا أساسيًا في الحرب.
ومع حلول الشتاء، خطط القادة للانتظار حتى الربيع لكسر الجمود، وتوقع الجانبان أن يسود الهدوء على خطوط المواجهة خلال العطلات، لكن قليلين توقعوا هدنة عيد الميلاد الشاملة.
لماذا؟
تعد هدنة عيد الميلاد في 1914 أول هدنة كبرى في تاريخ الغرب حيث لم يسبق أن حدثت مثل هذه الهدنة وهو ما يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل.
بدأت احتفالات عيد الميلاد رسميًا عام 336 ميلاديًا، عندما حددت الكنيسة 25 ديسمبر/كانون الأول تاريخًا لميلاد السيد المسيح.
لكن المناسبة لم تكتسب أهمية أكبر إلا في الفترة من القرنين الـ11 إلى الـ14، وفي إنجلترا، ازدادت أهمية هذا اليوم عندما تم تتويج ويليام الفاتح ملكًا في عيد الميلاد عام 1066.
كما أنه خلال العصور الوسطى وبداية العصر الحديث، لم يكن هناك حملات عسكرية في الشتاء بسبب التحديات اللوجستية.
وحتى في حال استمرار الحروب خلال أشهر الشتاء، كانت الثلوج الكثيفة والوحل والحاجة إلى إطعام الجنود تدفع الأطراف المتحاربة إلى التحصن في "ثكنات الشتاء".
وبعد الحرب الأهلية الإنجليزية، حظر البرلمان الاحتفال بعيد الميلاد في إنجلترا ليس بدافع معاداة المسيحية، بل بهدف قمع الاحتفالات الصاخبة التي كانت تُقام قبل الحكم البيوريتاني من 1644 إلى 1660.
ومع عودة الملكية، عاد الاحتفال بعيد الميلاد، لكن لم تُعرف تقاليد مثل أشجار عيد الميلاد إلا في أواخر القرن الثامن عشر، حيث شاع استخدامها بفضل الملكة فيكتوريا وزوجها الألماني الأمير ألبرت.
وفي الولايات المتحدة، كانت احتفالات عيد الميلاد بطيئة الانتشار، وخلال الثورة الأمريكية وبعدها، دأب الكونغرس على عقد جلساته خلال فترة عيد الميلاد، بدلاً من السماح للمشرعين بمغادرة واشنطن كما هو الحال الآن.
وعلى مدى عقود، أصبح عيد الميلاد مناسبة احتفالية في الولايات المتحدة لكنه لم يصبح عطلة وطنية رسمية إلا في عام 1870.
هدن على مر التاريخ
مع ذلك، شهدت الحرب الأهلية الأمريكية بين عامي 1861 و1865 احتفالات بعيد الميلاد وغالبا ما اتفق الجنود من كلا الجانبين على عدم إطلاق النار على نقاط المراقبة أو الدوريات خلال موسم الأعياد.
ومن أبرز هدن الحرب، هدنة نهر راباهانوك التي أعقبت معركة فريدريكسبيرغ في ديسمبر/كانون الأول 1862، حيث أفادت التقارير بأن جنود الاتحاد أرسلوا قوارب صغيرة محملة بالقهوة ولحم الخنزير إلى الكونفيدراليين على الجانب الآخر والذين ردوا بقوارب محملة بالذرة والتبغ.
وعلى الرغم من أن هدنة عيد الميلاد الشهيرة عام 1914 لا تزال قصة مُلهمة، إلا أنه تم اعتبارها مشكلة خطيرة للمعنويات وهو ما يُفسر عدم تكرارها على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الأولى.
وفي الحرب العالمية الثانية، لم تكن هناك سوى روايات قليلة عن هدن غير رسمية ولم تحدث أي هدنة تقريبًا على الجبهة الشرقية، لأن الاتحاد السوفياتي كان دولة ملحدة رسميًا.
وفي عام 1939، تزامن عيد الميلاد مع ما يُعرف بـ"الحرب الزائفة"، والتي أدت إلى بعض الاختلاطات القصيرة بين القوات الفرنسية والألمانية.
كما حدثت بعض الهدن المماثلة في شمال أفريقيا، ومرة أخرى خلال معركة الثغرة في 1944، حيث التقى الجنود وتبادلوا السجائر وساعدوا في دفن الموتى.
أما الهدنة الأبرز في الحرب العالمية الثانية، فأعلنتها إليزابيث فينكن، وهي امرأة ألمانية آوت جنودًا أمريكيين جرحى في كوخها الصغير في غابة هورتغن عشية عيد الميلاد عام 1944.
وعندما وصلت القوات الألمانية، أعلنت هدنة مؤقتة، ووافق عليها الطرفان حيث تقاسم الجنود الطعام واستراحوا رغم استمرار الحذر بينهم.
وفي صباح عيد الميلاد، افترق الألمان والأمريكيون وعادوا إلى خطوط المواجهة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز