كل شيء متاح حتى قلبك.. صمم توأمك الرقمي وحسن من مظهرك
"يخلق من الشبه أربعين".. عبارة تتردد للإشارة إلى وجود شبيه للشخص، وكثيرا ما تنشر وسائل الإعلام قصصا عن مشاهير لهم نسخ طبق الأصل.
لكن هل تتخيل أن مثل هذه المصادفات النادرة قد تتحول افتراضيا إلى واقع، عندما يكون بإمكان أي شخص إنشاء توأمه الرقمي الخاص.
والتوائم الرقمية البشرية هي جزء من مفهوم أوسع يشمل إنشاء نسخة طبق الأصل من أي شيء، مثل مدننا وسياراتنا ومنازلنا، وحتى أنفسنا وأعضاء جسدنا.
في البداية، كانت هذه التوائم مجرد نماذج حاسوبية ثلاثية الأبعاد متطورة، لكن الذكاء الاصطناعي، جنبا إلى جنب مع إنترنت الأشياء، الذي يستخدم أجهزة استشعار لربط الأشياء المادية بالشبكة، يعني أنه يمكنك الآن بناء أي شيء رقمي يساعد باستمرار في تحسين النظير الحقيقي.
ويعتقد المحلل التكنولوجي روب إندرل أنه سيكون لدينا الإصدارات الأولى من التفكير في التوائم الرقمية البشرية "قبل نهاية العقد".
ويضيف في تصريحات نقلتها شبكة "بي بي سي": "إن ظهور هذه الأمور سيحتاج إلى قدر هائل من التفكير الأخلاقي، لأن نسخة طبق الأصل من تفكيرنا يمكن أن تكون مفيدة بشكل لا يصدق لأصحاب العمل".
وتساءل: "ماذا يحدث إذا أنشأت شركتك توأما رقميا لك، وتقول: "مرحبا، لديك هذا التوأم الرقمي الذي لا ندفع له أي رواتب، فلماذا ما زلنا نوظفك؟".
وتتفهم البروفيسور ساندرا واتشتر، الزميلة البحثية البارزة في الذكاء الاصطناعي بجامعة أكسفورد، جاذبية إنشاء توائم رقمية للبشر، ولكن إنشاء هذه التوائم يصطدم بصعوبات، لأن حياة الشخص خليط من الطبيعة والتنشئة، فنجاحك أو مرضك أو حتى ارتكاب جريمة، يعتمد على خليط من الحظ والأصدقاء والعائلة والخلفية الاجتماعية والاقتصادية والبيئة، والاختيارات الشخصية، وبالتالي لدينا طريق طويل لنقطعه، حتى نتمكن من فهم وصياغة حياة الشخص من البداية إلى النهاية ، بافتراض ذلك ممكن على الإطلاق.
توأم رقمي للمدن
وبدلاً من ذلك، يعد استخدام التوائم الرقمية حاليا الأكثر تعقيدا واتساعا في مجالات تصميم المنتجات والتوزيع والتخطيط الحضري، ففي سباقات "الفورمولا 1"، يستخدم فريق "ماكلارين وريد بول" التوائم الرقمية لسيارات السباق الخاصة بهم.
وفي الوقت نفسه، تعمل "دي إتش إل" ، عملاق التوصيل، على إنشاء خريطة رقمية لمستودعاتها وسلاسل التوريد الخاصة بها للسماح لها بأن تكون أكثر كفاءة.
ويتزايد تكرار مدننا في العالم الرقمي، فلدى كل من شنغهاي وسنغافورة توائم رقمية، تم إنشاؤها للمساعدة في تحسين تصميم وتشغيل المباني وأنظمة النقل والشوارع.
وفي سنغافورة، تتمثل إحدى مهام التوأم الرقمي في المساعدة في إيجاد طرق جديدة للتنقل للأشخاص وتجنب مناطق التلوث، ويتم بناء مدن جديدة في الشرق الأوسط بشكل متزامن في العالم الحقيقي والرقمي.
وتقول شركة البرمجيات الفرنسية، داسو سيستمس، إنها ترى الآن اهتماما من آلاف الشركات بتكنولوجيا التوائم الرقمية الخاصة بها.
وشمل عملها حتى الآن استخدام التوائم الرقمية لمساعدة شركة العناية بالشعر على تصميم زجاجات شامبو أكثر استدامة رقميا، بدلاً من النماذج الأولية التي لا نهاية لها في الحياة الواقعية، وهذا يقلل من النفايات.
وتمكن التوائم الرقمية الشركات الأخرى من تصميم مشاريع مستقبلية جديدة، من السترة الطائرة (جيتباكس) إلى الدراجات النارية ذات العجلات العائمة، وحتى السيارات الطائرة، فلكل منها توأم رقمي، وتحديث النموذج مادي، يحدث أولا في الفضاء الرقمي.
توأم رقمي للقلب
لكن القيمة الحقيقية التي نلاحظها في التوائم الرقمية تكمن في الرعاية الصحية، فقد أنشأ مشروع القلب الحي لشركة "داسو سيستمس" نموذجا افتراضيا دقيقا لقلب الإنسان يمكن اختباره وتحليله، مما يسمح للجراحين بتنفيذ سلسلة من سيناريوهات "ماذا لو" للعضو، باستخدام إجراءات وأجهزة طبية مختلفة.
وأسس المشروع الدكتور ستيف ليفين، الذي كان لديه أسباب شخصية لرغبته في إنشاء توأم رقمي، حيث ولدت ابنته بمرض خلقي في القلب، وبعد سنوات قليلة عندما كانت في أواخر العشرينات من عمرها وكانت معرضة لخطر الإصابة بقصور القلب، قرر إعادة إنشاء قلبها في الواقع الافتراضي.
ويستخدم مستشفى بوسطن للأطفال الآن هذه التقنية لرسم خريطة لأمراض القلب الحقيقية للمرضى، بينما في مستشفى جريت أورموند ستريت في لندن، يعمل فريق من المهندسين مع الأطباء لاختبار الأجهزة التي قد تساعد الأطفال الذين يعانون من حالات قلبية نادرة وصعبة العلاج.
كما أن إجراء التجارب على القلب الرقمي له تأثير غير مباشر يتمثل في تقليل الحاجة إلى الاختبار على الحيوانات، وهو أحد الجوانب الأكثر إثارة للجدل في البحث العلمي، كما تقول سيفيرين ترويليت، مديرة الشؤون العالمية في داسو سيستمز.
وتخطط الشركة الآن لمزيد من توائم الأعضاء الرقمية، بما في ذلك العين وحتى الدماغ.
وربما يكون السباق لبناء نسخة رقمية لكوكبنا بأكمله أكثر طموحًا من استنساخ الأعضاء البشرية.
توأم رقمي للأرض
تدير شركة البرمجيات الأمريكية، إنفيديا، منصة تسمى "Omniverse" مصممة لإنشاء عوالم افتراضية وتوائم رقمية، وأحد أكثر مشاريعها طموحا هو بناء صورة رقمية شبيهة بالأرض، والتقاط صور عالية الدقة لسطحها بالكامل.
وستستخدم الأرض الثانية (إيرث 2 )، كما يطلق عليها، مجموعة من نماذج التعلم العميق والشبكات العصبية لتقليد البيئات المادية في المجال الرقمي، والتوصل إلى حلول لتغير المناخ.
وفي مارس من هذا العام، أعلنت المفوضية الأوروبية بالاشتراك مع وكالة الفضاء الأوروبية وغيرها عن خططها الخاصة لإنشاء توأم رقمي للكوكب، أطلق عليه اسم "ديسنيشين إيرث"
وبحلول نهاية عام 2024 تأمل في الحصول على بيانات كافية من عمليات المراقبة والمحاكاة في الوقت الفعلي للحصول على توأم رقمي يركز على الفيضانات والجفاف وموجات الحر، جنبًا إلى جنب مع الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والانفجارات البركانية وأمواج تسونامي، وتزويد البلدان خطط ملموسة لإنقاذ الأرواح في مواجهة هذه التحديات المتزايدة.