المدينة الخالية من الأطفال.. لندن تواجه خطر تراجع أعداد تلاميذ المدارس

تعيش العاصمة البريطانية لندن أزمة سكانية متصاعدة تهدد بتحوّلها إلى ما وصفه بعض الخبراء بـ"المدينة الخالية من الأطفال"، في ظلّ تراجع أعداد التلاميذ، وإغلاق المدارس، وتزايد انتقال الأسر إلى ضواحي البلاد بحثًا عن حياة أقل كلفة وأكثر استقرارًا.
تشير تقارير تربوية حديثة إلى أن عوامل عدة تتقاطع وراء هذا التحول الديموغرافي الخطير، أبرزها ارتفاع أسعار المساكن والمواصلات، وتزايد تكاليف المعيشة، إلى جانب انخفاض معدلات المواليد واستبدال المنازل العائلية بشقق صغيرة لا تناسب الأسر.
وقال ديف وودز، نائب رئيس الرابطة الوطنية لمديري المدارس ومدير مدرسة “بيكونسفيلد” الابتدائية في ساوثال، إن الظاهرة لم تولد اليوم بل بدأت قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتسارعت بعد جائحة كورونا، مشيرًا إلى أن كثيرًا من العائلات التي كانت قد استقرت في لندن غادرتها نهائيًا نحو مناطق أخرى داخل المملكة المتحدة أو خارجها.
ويوضح وودز أن “الأسعار الباهظة للسكن والمواصلات تجعل تربية الأطفال في العاصمة أمرًا شبه مستحيل”، مضيفًا أن المدارس في غرب لندن بدأت بالفعل تشهد تراجعًا واضحًا في أعداد المسجلين، وهو ما يهدد بإغلاق المزيد من الفصول وربما مدارس بأكملها.
من جانبها، كشفت بيانات معهد سياسة التعليم (EPI) أن تسعًا من أصل عشر مناطق سجلت أكبر انخفاض في أعداد طلاب المرحلة الابتدائية تقع داخل لندن. وتضم القائمة مناطق مثل ويستمنستر، ولامبيث، وساوثوورك، وهاكني، وكامدن، وهامرسميث وفولهام، حيث تراوحت نسب التراجع بين 12 و16 في المئة خلال خمس سنوات فقط.
وترتبط أزمة المدارس مباشرةً بآلية التمويل البريطانية، التي تعتمد على عدد الطلاب كأساس للدعم المالي، ما يجعل أي انخفاض في الأعداد خطرًا وجوديًا على المؤسسات التعليمية، خصوصًا في الأحياء المركزية التي تتراجع فيها الكثافة السكانية.
وبحسب أبحاث “EPI”، فإن نحو 20% من طلاب المرحلة الابتدائية الذين التحقوا بالمدارس في لندن عام 2017 لم يكملوا تعليمهم فيها، بعدما غادرت أسرهم إلى مدن ومقاطعات أخرى. ويبدو أن المناطق الواقعة شرق وجنوب شرق إنجلترا أصبحت الوجهة المفضلة لتلك العائلات بفضل انخفاض الإيجارات واتساع المساحات السكنية.
التحول لا يقتصر على الأسر فقط، بل يمتد إلى البنية التحتية التعليمية نفسها. فقد أغلقت بعض المدارس أبوابها في ساوثوورك بعد انخفاض الأعداد بأكثر من 12%، بينما تحاول مدارس أخرى إعادة توظيف مبانيها لتضم حضانات جديدة في محاولة لتعويض الخسائر.
ورغم القلق المتصاعد، تؤكد وزارة التعليم البريطانية أنها تتابع التطورات عن قرب، مشيرة إلى أن تمويل المدارس “وصل إلى مستويات قياسية” ومتوقّع أن يرتفع إلى 69.5 مليار جنيه إسترليني بحلول عام 2029. كما خصصت الحكومة نحو 37 مليون جنيه لتحويل المساحات غير المستغلة في المدارس إلى مراكز لرعاية الأطفال، ما أتاح بالفعل أكثر من 5000 مقعد إضافي في مختلف أنحاء البلاد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjQg جزيرة ام اند امز