التغير المناخي.. فجوة المعرفة في مواجهة الأزمة
يجري الاستعداد للدورة الجديدة من المؤتمر الأممي للمناخ "كوب 26" على قدم وساق، في مسعى دولي لانتشال كوكب الأرض من تبعات جائحة كورونا.
ويسعى مؤتمر دول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ، الذي سيعقد في مدينة جلاسكو البريطانية خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى تقييم مستوى التزام الدول الأطراف بتنفيذ مستهدفات اتفاق باريس للمناخ.
أيضا يشهد الحدث البيئي المهم تقييم أهداف التنمية المستدامة والسعي لتحقيق حيادية الكربون، ومطالبة هذه الدول الأعضاء في الاتفاقية برفع سقف مساهماتها المحددة وطنيا.
ورغم إيجابية المشهد وتعزيز القدرات الدولية لمواجهة التغير المناخي، فإن وزير التغير المناخي والبيئة في الإمارات الدكتور عبدالله بن محمد بلحيف النعيمي، طرح مجموعة من الأسئلة بشأن إجراءات مواجهة الأزمة وفجوة المعرفة لإدارة التحدي الأهم الذي يواجه كوكب الأرض.
وقال الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي، في مقال نشر بصحيفة "الاتحاد" الإماراتية بتاريخ 29 مارس/آذار 2021، إنه "رغم الحالة الإيجابية التي يمثلها التحرك الدولي سريع الوتيرة وتعزيزه لقدرات مواجهة التحدي الأهم الذي يواجه كوكب الأرض، فإنه يجب أن نمعن النظر هنا في طبيعة العمل الدولي من أجل المناخ".
إجراءات مواجهة التغير المناخي
وطرح الوزير الإماراتي العديد من الأسئلة في هذا الشأن، على رأسها: هل توجهات العمل التي تم الاتفاق عليها بموجب اتفاق باريس واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية تحقق عدالة العمل من أجل المناخ بين كافة المناطق والدول؟
وهل ستمكننا من مواجهة التغير المناخي وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته بالشكل المطلوب دون التعرف بوضوح على طبيعة تأثيراته على كل منطقة؟
بمعنى: هل خفض انبعاثات الكربون يجب أن تتساوى في تطبيقه الدول الصناعية الكبرى مع دول أفريقيا، وهل زيادة حصة الطاقة المتجددة وبالأخص الطاقة الشمسية يجب أن تطبق بالقدر ذاته في دول شمال أوروبا مقارنة مع دول الخليج العربي؟.
ورأى أن "التعامل مع تحدي التغير المناخي الذي يقف خلف 7 ملايين وفاة سنوياً نتيجة تلوث الهواء، ويتوقع أن تؤثر تداعياته سلباً على قدرة 220 مليون شخص على البقاء بنهاية العام الجاري، وبلغت قيمة الخسائر الاقتصادية التي تسببت فيها 335 مليار دولار في 2017، يجب أن يتم على النحو ذاته الذي يطبقه علم الصيدلة الإكلينيكية في علاج المرضى".
أي يجب أن يكون معتمداً على التعامل مع كل مريض كحالة ذات خصوصية، أي تقديم الدواء للمريض بعد دراسة شاملة لحياته وطبيعة مرضه وقدراته الجسدية ما يضمن تحقيق أعلى معدل شفاء ووقاية مستقبلية من المرض.
وقال الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي: "هنا تظهر الإشكالية الحقيقية التي يجب الالتفات إليها في تحديد إجراءات مواجهة تحدي التغير المناخي، وهي فجوة المعرفة والتي تعني نقص، وفي بعض الأحيان غياب الدراسات المتخصصة التي تحدد لكل منطقة في العالم طبيعة التأثيرات المتوقعة للتغير المناخي عليها، والتي بناء عليها يمكن اعتماد الإجراءات المطلوبة منها لمواجهة هذا التحدي والتكيف مع تداعياته، بما يتناسب مع خصوصياتها من حيث طبيعتها المناخية وقدراتها الاقتصادية وتركيباتها السكانية والمجتمعية".
وضرب الوزير الإماراتي مثالا للتوضيح، قائلا: "يمكن لدول الخليج العربي التوسع بشكل كبير في استخدام حلول الطاقة الشمسية التي يمكنها الاستمرار على مدار العام في الإنتاج، على عكس دول شمال أوروبا التي تتراجع فيها مستويات سطوع الشمس خلال فترات طويلة من العام، وقد ظهر هذا واضحاً خلال موسم الشتاء الماضي في بعض الدول الأوروبية حينما توقفت محطات توليد الطاقة الشمسية عن إنتاج الطاقة بسبب موجة البرد وتساقط الثلوج".
وفي مثال آخر أوضح أنه "يجب عدم مطالبة الدول ذات القدرات الصناعية المتواضعة بخفض المعدل ذاته من الانبعاثات الكربونية، مقارنة مع الأخرى التي تحتل الصدارة في القطاع الصناعي عالمياً خصوصاً، إذ كانت تقارير الأمم المتحدة توضح أن الأخيرة مسؤولة عن 75% من حجم انبعاثات غازات الدفيئة في مقابل 25% فحسب لباقي العالم".
أبحاث إقليمية مشتركة
وفقا لرؤية وزير التغير المناخي الإماراتي فإن "حل إشكالية سد الفجوة المعرفية يتمحور في توسع كل منطقة إقليمية في إجراء دراسات وأبحاث مشتركة حول مظاهر التغير المناخي وتأثيراته التي تشهدها حالياً والمتوقعة مستقبلاً، ومتطلبات العمل من أجل مواجهته وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته، وكيفية التوظيف الأمثل والأكثر فعالية للتقنيات الحديثة وبالأخص الذكاء الاصطناعي والحلول الابتكارية، ما يساهم في إيجاد حالة من التكامل الدولي في هذا العمل، ويساعد بشكل فعال في ضمان مواصلة النمو الاقتصادي واستدامة حماية البيئة".
وأضاف الوزير، في مقاله: "هذا النوع من الحلول الفعالة شكل جزءاً من جهود دولة الإمارات للعمل من أجل المناخ، فبفضل الدعم الذي توفره القيادة الرشيدة، تم تأسيس المعهد العالمي للنمو الأخضر والذي ساهم في تحفيز حركة الدراسة والبحث للتغير المناخي".
لإحداث حراك بحثي ذي فاعلية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، لتأثيرات التغير المناخي، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات "شبكة أبحاث تغير المناخ"، التي تعمل على تعزيز منظومة جمع البيانات، وإعداد الأبحاث والدراسات ذات العلاقة بتأثيرات التغير المناخي، وتعزيز قدرات كافة القطاعات على التكيف مع تداعياته في المنطقة الشرق الأوسط، عبر التعاون الوثيق مع العديد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية المتخصصة على مستوى المنطقة، وفقا للمسؤول.
وأوضح: "الشبكة التي أطلقنا العمل بها يناير/كانون الثاني الماضي، تركز على سد الفجوة المعرفية بالتغير المناخي، عبر رصد تأثيراته الحالية والمتوقعة مستقبلاً على المنطقة ودراستها وتحليلها بشكل موسع، لتخرج منها بتوصيات تحدد استراتيجيات العمل الملائمة للتكيف مع تداعيات التغير المناخي في دول المنطقة".
ولضمان تحقيق هذا الجهد البحثي للهدف المرجو منه، ستتم إتاحة نتائج الأبحاث والدراسات لكافة أفراد المجتمع لرفع وعيهم بالتغير المناخي، وما تشهده المنطقة من تداعيات وما يمكن أن تواجهه مستقبلاً وكيفية التكيف معها، وفقا للوزير الإماراتي.
واختتم الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي مقاله قائلا إن "قدرتنا الحقيقية على مواجهة كافة التحديات ومعالجتها والتكيف مع تأثيراتها ترتبط بمدى معرفتنا الحقيقية بما نواجه والاستفادة من هذه المعرفة في رسم توجهات عملنا، وهذا ما نستهدف إيصاله للعالم أجمع عبر جهود دولة الإمارات في العمل من أجل المناخ بشكل عام، وعبر شبكة أبحاث المناخ بشكل خاص".