كيف يؤثر تغير المناخ على السلام والأمن؟
قبل سنوات معدودة، إذا قال لك شخص ما إن تغير المناخ يشكل تهديدا للنظام العالمي، فسوف تفترض أنه كان يتحدث عن التأثيرات المباشرة لظاهرة الانحباس الحراري، أو عواقبها من الدرجة الثانية.
لكنك لم تدرك حينها الخطر الأكبر الكامن وراء التغير المناخي، وأن الموضوع أكبر من مجرد مصطلح احتباس حراري.
خطرٌ تستشعره الدول والمؤسسات المعنية إزاء السيناريوهات التي قد تؤدي فيها موجات الجفاف غير المسبوقة أو الفيضانات المدمرة للمدن إلى هجرة جماعية، أو زعزعة استقرار العالم، أو إثارة القومية اليمينية المتطرفة.
هل هذا فقط؟
لا.. فالقلق يساور الجميع من أن المجاعة العالمية قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، الأمر الذي قد يؤدي إلى حروب قديمة الطراز على الموارد. كما أن تقلبات الطقس يمكن أن تؤدي إلى ثورات وحروب أهلية.
المنافسة على الموارد
يسهم تغير المناخ في تفاقم إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية، حيث تعاني بعض المجتمعات من تقلبات أكبر في توافر وتوزيع الموارد ذاتها التي تعتمد عليها سبل عيشها واستراتيجيات التكيف.
وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى زيادة المنافسة على الموارد المحدودة وزيادة التوترات والنزاعات.
على الصعيد العالمي، وصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات قياسية بسبب الصراعات، وجائحة كورونا، وتفاقم الظواهر الجوية العنيفة.
وفي عام 2022 توقعت الأمم المتحدة أن ما يقرب من 260 مليون شخص في 58 دولة، سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، فيما سيواجه 35 مليون شخص المجاعة.
وفي البلدان المتضررة من الصراعات والهشاشة، يتضخم التأثير، حيث تتزايد حاجة الناس إلى المساعدة الإنسانية مع قدرة محدودة على تحمل المزيد من الصعوبات.
ووفق تقديرات أممية، عانى 20.9 مليون شخص في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي، العام الماضي، من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بسبب أطول وأشد موجة جفاف في التاريخ الحديث.
وفي كينيا والصومال وحدهما، واجه ما يقرب من 3 ملايين شخص انعدام الأمن الغذائي عند مستويات الطوارئ، بحسب أرقام أممية طالعتها "الأمم المتحدة".
النزوح الجماعي
خطرٌ آخر يهدد البشرية بفعل التغير المناخي، وهو النزوح الجماعي.
فبحلول عام 2050 قد يجبر تغير المناخ 216 مليون شخص في ست مناطق في العالم على التنقل داخل بلدانهم.
مستقبلٌ مخيف تبرره الأمم المتحدة بندرة المياه، وانخفاض إنتاجية المحاصيل، وارتفاع منسوب سطح البحر، التي ستشكل مجتمعة مسار تغير المناخ على مدى نصف القرن المقبل، وهو ما من شأنه أن يعجل بالنزوح القسري، في حين يؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة أو خلق توترات جديدة.
ففي الصومال الذي أضعفته عقود من الصراع والهشاشة، أجبر الجفاف الناس مرارا وتكرارا على النزوح، وكذلك الفيضانات.
وفي منطقة الساحل الأفريقي أدى المناخ الذي لا يمكن التنبؤ به والتدهور البيئي إلى جعل بقاء المجتمعات النائية والفقيرة أكثر صعوبة كل عام، فيما تتآكل آليات التكيف لديهم بشكل جذري بسبب العنف وعدم الاستقرار، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي.
ويعرض تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر والصليب الأحمر النرويجي الصادر عام 2023 بعنوان "إنجاح التكيف" كيف تتفاقم العواقب الإنسانية الناجمة عن التدهور البيئي وتغير المناخ بسبب النزاع المسلح في الشرقين الأدنى والأوسط، وما هي نُهج التكيف التي بدأت تظهر لمواجهة التأثير المضاعف باستخدام أمثلة من العراق وسوريا واليمن.
وفي اليمن والعراق تتفاقم ندرة المياه، التي تشكل تحديا للأمن الصحي والغذائي والاقتصادي، وفي كثير من الحالات يضر الصراع أيضا بشكل مباشر بالنظم البيئية التي يعتمد عليها الناس للبقاء على قيد الحياة.
ويؤكد الصليب الأحمر الدولي أن الأشخاص الذين يعانون من الصراعات ليسوا فقط من بين الفئات الأكثر عرضة للأزمات المناخية والبيئية، بل هم أيضا من بين الأشخاص الأكثر إهمالا من قبل العمل المناخي، ويرجع ذلك جزئيا إلى التحديات المرتبطة بالعمل في مثل هذه المناطق المحيطة.
انعدام الأمن والاستقطاب
على الصعيد العالمي، يشعر 6 من كل 7 أشخاص بعدم الأمان، بحسب الأمم المتحدة.
ويمكن تفسير ذلك بالنسبة للمنظمة الدولية بأن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، مما يؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات الضعيفة.
كما يمكن أن تؤدي الاضطرابات في سبل العيش، والنزاعات على الموارد، والنزوح، إلى تفاقم التوترات القائمة وإثارة عدم الاستقرار.
علاوة على ذلك يرتبط انعدام الأمن بالاستقطاب السياسي والتطرف.
فعلى مدار 11 عاما من الأعوام الأربعة عشر الماضية، ازداد عدم الاستقرار السياسي، والتطرف العنيف، وتوتر علاقات الجوار، والنزوح داخل الحدود وعبرها، وفقا لمؤشر السلام العالمي (2022).