6 قضايا مناخية كبرى وجه COP28 العالم نحوها
لا يستطيع أي مؤتمر مناخ مهما بلغ نجاحه أن يكون عصا سحرية لكوكب الأرض تحل أزمات المناخ والفوضى المتراكمة عبر عشرات السنين.
لكن النجاح الحقيقي لأي مؤتمر أن يكون نقطة انطلاق لتحركات حقيقية نحو مواجهة تغير المناخ وخفض الانبعاثات والدفع باتجاه الحياد الصفري وهدف 1.5 درجة مئوية وهو بعينه ما شهده COP28.
وفي حالة آخر مؤتمر للمناخ COP28 الذي اختتم في 12 ديسمبر/كانون الأول المنقضي في دولة الإمارات العربية المتحدة جاء معيار النجاح التاريخي الذي أشاد به خبراء المناخ وكذلك صانعو القرارات حول العالم من هذا المنطلق بتحويل الحوار إلى عمل باعتباره أمرا بالغ الأهمية.
- المناخ والاستدامة.. أبرز 10 أحداث عالمية في 2024
- العمل المناخي في 2024.. رؤية استشرافية للمخاطر والجهود
كل إعلان وشراكة وتعهد تم إطلاقه في COP28 يشكل مورداً لإحداث تأثير ملموس ودائم لمواجهة التحديات الناجمة عن تغير المناخ، وإذا لم يكن COP28 خط النهاية فهو دفعة غير مسبوقة حددت المسار وتمسكت به حسب المراقبين.
النقاشات التي نجمت عنها تحركات حقيقية وتعهدات وشراكات خلال COP28 شملت مجالات المياه والصحة والطاقة والزراعة والاقتصاد والتمويل والسياسة.
في هذا التقرير نركز على 6 قضايا مناخية رئيسية أحدث فيها المؤتمر تغييراً واختراقاً حقيقياً، ووضع بشأنها رؤى حول الإجراءات الأساسية المطلوبة للحد من الانبعاثات العالمية وتعزيز القدرة على التكيف مع المناخ.
الطاقة والوقود الأحفوري
في هذا الملف كان COP28 تاريخياً بكل المقاييس فللمرة الأولى، يتم اعتماد لغة فيما يتعلق بالانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري -وهي صيغة سهلها وساهم في الوصول إليها الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، رئيس مؤتمر COP28 وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
واكتمل نجاح مؤتمر الأطراف COP28 بـ"اتفاق الإمارات" التاريخي الذي تضمن اعترافا شاملا، ضمّ أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، بأننا بحاجة إلى خفض انبعاثات الميثان للوصول إلى أهداف عام 2030.
وفي حين لم يتم تقديم تفاصيل حول كيفية الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري، فقد تم التوصل إلى اتفاق لمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات على مستوى العالم ومضاعفة متوسط المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.
وسيكون الأمر متروكاً الآن لواضعي السياسات الوطنية والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة الآخرين للقيام بالعمل على أرض الواقع لتحويل هذه التعهدات إلى أفعال.
صحة المجتمعات
مؤتمر COP28 كان أول مؤتمر أطراف يُركز صراحة على التأثير الواسع النطاق لتغير المناخ على صحة المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
وظهر مجتمع البحوث الصحية العالمية والدعوة والتنفيذ بقوة لتسليط الضوء على التكلفة البشرية لتغير المناخ والضغط من أجل العمل.
وفي حين حضر مؤتمر COP27 وزير صحة وطني واحد فقط، فقد حضر مؤتمر COP28 نحو 60 من قادة الصحة من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط لتسليط الضوء على مخاوف بلدانهم والتزاماتها.
وأيد أكثر من 10 بلدا وأكثر من 120 شريكاً تمويلياً ومنظمة من منظمات المجتمع المدني الإعلان بشأن المناخ والصحة، الذي كشف النقاب عن مجموعة من 40 مبدأ لتعزيز تمويل المناخ والصحة، وتعبئة تمويل جديد وإضافي، وتعزيز الابتكار من خلال المشاريع التحويلية والنهج الجديدة المتعددة القطاعات.
وأشارت المبادئ التوجيهية COP28 لتمويل حلول المناخ والصحة إلى التعاون المتزايد بين الممولين والزخم لدعم الحلول المناخية والصحية بطريقة مستدامة.
وقد التزم هؤلاء الشركاء بشكل جماعي بتخصيص مليار دولار لمعالجة أزمة المناخ والصحة الآخذة في التوسع.
الزراعة والنظم الغذائية
وقد بحث COP28 دور الزراعة في بناء أنظمة غذائية مرنة ومعالجة تغير المناخ مثل تحسين صحة التربة والحد من هدر/فقدان الطعام.
ويدعو الإعلان بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي، الذي أقره 159 بلداً، إلى إضافة الأغذية والزراعة رسمياً إلى أهداف اتفاق باريس.
الزراعة تلعب دوراً مهماً في تحقيق تخفيضات كبيرة في الانبعاثات من خلال تغييرات بسيطة نسبياً والتكنولوجيا الحالية.
على سبيل المثال، حسّنت جمعية لحوم البقر الأسترالية إدارة الحراجة الزراعية والمراعي وخفضت الانبعاثات بنسبة 65% وتحفز هذه النتائج تشجيع سباق الابتكار المناخي لتقليل انبعاثات الميثان من أبقار الألبان التي يربيها المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة، بدءاً من إثيوبيا، أكبر مزود للماشية في أفريقيا.
المياه
أكد COP28 على المياه كمورد حاسم يتأثر بتغير المناخ، وتم الاعتراف به رسمياً كجزء من جدول الأعمال الرسمي قبل عام واحد فقط في COP27.
واتفق العديد من المتحدثين على أن أزمة المناخ هي أزمة مياه؛ حيث تحدث معظم الآثار والأضرار بسبب المياه الزائدة أو غير الكافية.
ووجدت هذه القضية المناخية زخماً نبع من كون COP28 أكبر مؤتمر مناخي حتى الآن، شارك فيه 85 ألف مشارك بمن فيهم المفاوضون والمراقبون، بالإضافة إلى ذلك، كانت مشاركة الشباب أقوى بكثير وكان هناك العديد من أجنحة الشباب والتغييرات المؤسسية الأخرى لدعم مشاركتهم.
التمويل
ركز COP28 ضمن قضايا أخرى على مبادرات تمويل المناخ محققا زيادة الوعي بالحاجة إلى توفير التمويل للتكيف مع تغير المناخ.
ورغم تباطؤ البلدان المتقدمة والقطاع الخاص في تقديم الدعم الذي تحتاجه البلدان النامية لتحقيق الأهداف المناخية، في COP28 فقط تعهدت دولة الإمارات بتخصيص 30 مليار دولار لاستثمارات جديدة في مشاريع صديقة للمناخ، بما في ذلك 5 مليارات دولار لجنوب الكرة الأرضية.
وفي أمريكا اللاتينية تم تخصيص استثمارات بقيمة 2 مليار دولار سنوياً حتى عام 2030، في حين تم تخصيص 10 مليارات دولار للاستثمار المناخي في الفلبين بين عامي 2024 و2029، وتعهدت نحو 31 دولة بتقديم 12.8 مليار دولار لصندوق المناخ الأخضر.
وكانت لحظة مؤتمر الأطراف التاريخية هي قرار اليوم الأول في COP38 بتشغيل "صندوق الخسائر والأضرار"، الذي بدأ السعي لإنشائه في COP27؛ حيث تعوض الدول الغنية الدول النامية عن الأضرار التي تكبدتها بسبب أزمة لم تخلقها.
وقدمت الدول الغنية تعهدات أولية لرسملة الصندوق بأكثر من 700 مليون دولار، وفي حين أن هذا المبلغ لا يسد الفجوة في التمويل اللازم لمكافحة تغير المناخ، إلا أنه يشير إلى خطوة في اتجاه العدالة المناخية لهذه البلدان الضعيفة.
إزالة الكربون
بالإضافة إلى هذه التعهدات، هناك اعتراف بأن تجنب أسوأ الآثار الناجمة عن تغير المناخ يتطلب النظر في فرص إزالة الكربون والحد من الانبعاثات في جميع القطاعات تعظيم استخدام الحلول الحالية، ونشر تقنيات جديدة، واعتماد استراتيجيات أخرى لمعالجة تغير المناخ. وللقيام بذلك، نحتاج إلى الاستفادة بشكل أفضل من القطاع الخاص.
والقوة الكاملة للموارد الخاصة والعامة هي الأمل الوحيد لتلبية احتياجات التمويل.
ومن الحلول التي تم تسليط الضوء عليها في COP28 استخدام أسواق الكربون كوسيلة لتوسيع نطاق أنشطة مثل الغابات واستخدام الأراضي والطاقة المتجددة التي يمكن أن تعوض الانبعاثات المنتجة في أماكن أخرى. عندما تعمل الأسواق على النحو المنشود.
أكد COP28 على إشراك القطاع الخاص على نطاق واسع لتوجيه تمويل المناخ إلى المجتمعات والجهات الفاعلة المحلية للمساعدة في التخفيف من تغير المناخ أو التكيف معه.
وتم خلال المؤتمر الترويج للتكنولوجيات والمنهجيات واللوائح الجديدة في مؤتمر الأطراف لزيادة الثقة في أن التعويضات يمكن أن تحقق تخفيضات موثوقة في انبعاثات الكربون في المستقبل، ورغم أنه لم يتم اعتماد قواعد لأسواق الكربون العالمية (تنفيذ المادة 6 من اتفاق باريس)، ستستمر المفاوضات في مؤتمر الأطراف المقبل.
ماذا بعد؟
الكثير من مناقشات COP28 ركزت على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، بحلول عام 2050، ورافقها اعتراف بأن الأطراف متأخرة بشكل يرثى له في اتخاذ خطوات حقيقية لتحقيق أهداف الاحترار العالمي.
لذلك فإن العالم لا يزال أمامه الكثير وعليه البناء على ما تحقق في COP28 خاصة أن العالم لا يزال يقف حسب الخبراء عند 1.3 درجة مئوية، كما كان عام 2023 عاما آخر من زيادة إنتاج الفحم. وفقاً لوكالة الطاقة الدولية التي أكدت أنه "من المتوقع أن يرتفع إنتاج الفحم العالمي بنسبة 1.8% في عام 2023، مع استمرار النمو في الهند والصين وإندونيسيا أكثر من تعويض الانخفاضات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
خطوات كبيرة مطلوب التأكيد عليها في العمل المناخي تولي المزيد من الاهتمام لتأثيرات تغير المناخ، مع وجود أعاصير أقوى، وأحداث هطول أمطار غير استوائية أكثر حدة، وزيادة في الأمراض الحساسة للمناخ، وفترات جفاف أطول تحدث في جميع أنحاء العالم.
ولا يمكن للبلدان المنخفضة والدول الجزرية الصغيرة النامية الانتظار 20 عاماً أخرى حتى يتخلص العالم تدريجيا من الوقود الأحفوري لأنها تفقد بالفعل الأراضي الصالحة للسكن.
فالحلول المناخية يجب أن تكون سريعة وبقيادة محلية، وفي جميع أنحاء العالم، لا يزال الناس يركزون على بناء وتعزيز القدرة على التكيف مع المناخ في مجتمعاتهم، لكنهم بحاجة إلى مساعدة مالية لتحسين سبل عيشهم ومرونتهم وصحتهم.
ولم يعد كافياً قياس تغير المناخ أو الاستجابات المناخية من حيث تغير درجة الحرارة العالمية أو الحجم الإجمالي لانبعاثات غازات الدفيئة، وعلينا بدلاً من ذلك مناقشة تغير المناخ من حيث الأرواح المفقودة والأرواح التي تم إنقاذها.