سيل من التضليل.. "المناخ" في السوشيال ميديا
تساهم مواقع التواصل الاجتماعي في التضليل المناخي، حيث يستخدم مليارات الأشخاص مواقع فيسبوك، تويتر، تيك توك وغيرهم يوميًا
منذ أكثر من 160 عامًا وتحديدًا في 10 يونيو 1859، أبلغ جون تيندال الجمعية الملكية في بريطانيا عن نتائج تجربة أجراها، والتي أظهرت أن "حمض الكربونيك" على الرغم من كونه غازًا غير مرئي وعديم اللون، إلا أنه كان قادرًا على امتصاص الحرارة.
نتيجة لاكتشاف تيندال، نشير اليوم إلى حمض الكربونيك باسم ثاني أكسيد الكربون، وقد أدرك العلماء قبل نهاية القرن التاسع عشر أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصناعية قادرة على تغيير مناخ الأرض.
ولكن على الرغم من الإجماع العلمي بأن تغير المناخ يشكل أزمة، لا يزال الجمهور في العديد من الدول غير مقتنع جزئيًا بأن تغير المناخ يشكل خطرًا مجتمعيًا وذلك لأسباب تتعلق بتعرضه لمعلومات مضللة حول تغير المناخ وفقا لدراسة بعنوان "المعلومات المضللة المتعلقة بتغير المناخ وكيفية مكافحتها" والمنشورة بمجلة الصحة العامة عام 2021.
تساهم مواقع التواصل الاجتماعي في التضليل المناخي، حيث يستخدم مليارات الأشخاص مواقع فيسبوك، تويتر، تيك توك وغيرهم يوميًا، مما يجعلها بيئة مثالية لانتشار المعلومات المضللة والتي بإمكانها تقويض العمل الشاق لعلماء المناخ والمنظمات العاملة فيه.
التضليل المناخي
تم تعريف التضليل المناخي في دراسة منشورة في مجلة بحوث التربية البيئية عام 2022، على أنه نشر أي معلومات خاطئة أو مضللة حول تغير المناخ عن قصد أو عن غير قصد، ويمكن استخدام هذه المعلومات لإحداث الارتباك والشك وانعدام الثقة حول الإجماع العلمي حول تغير المناخ وتأثيراته.
يمكن أن تتخذ المعلومات المضللة عن المناخ عدة أشكال بما في ذلك، الإحصائيات المضللة التي تتضمن استخدام بيانات غير دقيقة أو مضللة لدعم حجة أو وجهة نظر معينة، أو اختيار بعض البيانات التي تدعم حجة معينة فقط مع تجاهل البيانات الأخرى ذات الصلة. وكذلك نظريات المؤامرة التي تتضمن الترويج لمزاعم لا أساس لها مثل وجود مؤامرة سرية أو تستر مرتبط بتغير المناخ.
وفقا لتقرير صادر عن مجموعة مراقبة مستقلة بالمشاركة مع منظمة Stop Funding Heat البيئية غير الهادفة للربح، تلقت آلاف المنشورات التي تحتوي على معلومات مضللة عن المناخ ما يصل إلى 1.36 مليون مشاهدة يوميًا على فيسبوك.
حلل القائمون على التقرير، مجموعة بيانات لأكثر من 195 صفحة ومجموعة على فيسبوك، وجد الباحثون ما يقدر بنحو 45000 منشور وفيديو يقلل من أهمية أزمة المناخ أو ينكر أصحابها وجود أزمة مناخية من الأساس، وتلقت محتوى هذه المنشورات ما بين 818000 و 1.36 مليون مشاهدة.
قدم التقرير الذي استمر العمل عليه ما يقارب ستة أشهر بعض الأمثلة على منشورات التضليل المناخي التي تم العثور عليها على فيسبوك. وكانت معظمها تقع تحت ثلاث اتجاهات وهي ادعاءات بأن السياسات الخضراء تهدد الأمن القومي أو مكلفة للغاية، وادعاءات أخرى بأن السياسيين أو دعاة حماية البيئة الذين يهتمون بتغير المناخ فاسدون أو مخدوعون بشكل استثنائي وأخيرًا ادعاءات بأن الطاقة النظيفة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل.
أرض خصبة
حدد الباحثون في جامعة جنوب فلوريدا وجامعة إنديانا في مقال بحثي منشور في مجلة The Conversation، ثلاثة أنواع منفصلة ولكنها مترابطة من التحيز، والتي على حد قولهم تجعل أنظمة وسائل التواصل الاجتماعي أرض خصبة للتضليل المتعمد.
ومنها التحيزات المعرفية هي أخطاء منهجية في التفكير تنبع من ميل الأشخاص استخدام الاختصارات الذهنية، وثانيًا التحيز الاجتماعي هو الميل إلى الثقة في المعلومات التي تأتي من الأشخاص الذين تعرفهم على المعلومات من مصادر أخرى، وثالثا التحيز الخوارزمي الذي يأتي من مواقع التواصل الاجتماعي نفسها، حيث يقوم فيسبوك و تويتر بتخصيص المحتوى الذي تراه يوميًا بناءً على ما يتوقعون أنه سيثير أقوى استجابة عاطفية منك، سواء كانت السعادة أو التعاطف أو الغضب.
والثلاثة معًا يتسببون في المشكلة، لأن التحيز المعرفي يجعلنا نصدق ونشارك المعلومات التي تبدو حقيقية بالنسبة لنا دون قضاء الوقت في تأكيد ما إذا كانت صحيحة بالفعل، والتحيز الاجتماعي يجعلنا أن نصدق هذه المعلومات ونشاركها في حال وصلت إلينا عبر شخص ما في دائرتنا الاجتماعية، أما الخوارزمي يعني أنه بمجرد أن نحب هذا الجزء من المعلومات التي ربما تكون صحيحة وربما غير صحيحة، وبمجرد مشاركتها سنشاهد المزيد من المنشورات المماثلة في نفس السياق.
ذكر أيضا تقرير Stop Funding Heat، أنه إضافة إلى ذلك فإن نظام التحقق من الحقائق في فيسبوك، به العديد من الثغرات التي تسمح للمعلومات الخاطئة عن المناخ بالانتشار على المنصة.
على سبيل المثال، وجد التقرير أنه تم التحقق من صحة 3.6٪ فقط من محتوى المعلومات الخاطئة عن المناخ، وحتى عندما تم وضع علامة على المحتوى على أنه زائف من قبل مدققي الحقائق، فلا يزال من الممكن مشاركة المحتوى وعرضه من قبل المستخدمين.
بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن سياسات الإعلان على فيسبوك ليست صارمة بما يكفي لمنع الترويج للمعلومات الخاطئة حول المناخ من خلال الإعلانات المدفوعة.
أزمة
وفقا لمقال بحثي منشور في مجلة Wires Climate Change، تعتبر المعلومات المضللة حول تغير المناخ أزمة لأنها تقوض الجهود المبذولة لمعالجة أزمة المناخ من خلال خلق الارتباك بين الجمهور وصناع السياسات لأنه عندما يتم تضليل الناس بمعلومات خاطئة، فقد يكونون أقل احتمالًا لدعم السياسات التي يمكن أن تخفف من آثار تغير المناخ ويمكن أن يؤدي هذا إلى تأخير الإجراءات التي قد تعرض الكوكب لخطر أكبر.
تساهم المعلومات المضللة أيضًا في الاستقطاب العام، حيث قد يكون لدى الأشخاص الذين يتعرضون لمصادر معلومات مختلفة وجهات نظر متباينة حول تغير المناخ، وهذا يمكن أن يجعل من الصعب بناء توافق في الآراء حول كيفية معالجة أزمة المناخ.
الأزمة الأكبر في التضليل المناخي، أنه يؤدي إلى توقف الدعم المادي للمجتمعات المتضررة وبالتالي سنجد ضحايا أكثر بسبب الأزمة المناخية في دول الجنوب العالمي.
ما الذي يجب أن نفعله كمستخدمين؟
تحقق من المعلومات قبل المشاركة: يجب على المستخدمين التحقق من المعلومات قبل مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يشمل ذلك التحقق من مصدر المعلومات، والتحقق من الحقائق من مصادر موثوقة، والبحث عن مصادر متعددة لتأكيد المعلومات.
استخدام تقنيات التفكير النقدي: أحد الحلول المقترحة هو تطبيق تقنيات التفكير النقدي لتحييد المعلومات الخاطئة من خلال شرح تقنياتها المضللة أو مغالطاتها المنطقية، وجدت دراسة منشورة عام 2019 أن هذا التكتيك قد يكون فعالًا في مواجهة التضليل المعلوماتي.
الإبلاغ عن معلومات مضللة: يمكن للمستخدمين الإبلاغ عن معلومات خاطئة على منصات التواصل الاجتماعي للمساعدة في منع انتشارها، وتوفر معظم مواقع التواصل الاجتماعي هذه الميزة حاليا.
بشكل عام ، يجب على المستخدمين توخي الحذر بشأن مشاركة المعلومات التي لم يتم التحقق منها، لأن هذه المعلومات المضللة قد تكون سببًا في منع وصول المساعدات والدعم للمجتمعات المتضررة من تغير المناخ.