اليوم نرى ثلاث دول تقيم تحالفاً في المنطقة يشمل التكاتف دبلوماسياً وعسكرياً وقمعياً لكل مظاهر الحريات للشعوب.
حصر تعريف كلمة "إرهاب" حالياً بالإرهاب الذي بثته مجموعة من المقاتلين عبر اعتداءات، أساسها رفض الآخر لأنه يختلف عنهم دينياً أو عرقياً، لكن للكلمة تفسيرات أخرى تبدأ منذ الطفولة في البيت، حيث يتعرض الأطفال للإرهاب بطرق شتى أهمها رفض تصرفاتهم الطبيعية، ونهيهم بشدة عن كل ما يخالف الأنظمة في البيت والأسرة.
وهنا تكون بداية القمع النفسي، خاصة عندما يغيب عن الأولياء أن الطفل مخلوق جديد عن هذا العالم، ومن الطبيعي أن تكون تصرفاته لا علاقة لها بالأنظمة الموضوعة، بل من غير الطبيعي أن يتصرف وفق أنظمة وضعية.
ما يفعله النظام القطري بعد أن فقدت قناة الجزيرة مصداقيتها، هو البحث عن مؤسسات وشركات إنتاج خارجية لتمويلها وتوجيهها لإنتاج برامج تواصل خدمة توجهاته.
واختلفت مظاهر الإرهاب وأشكاله من مجتمعات إلى أخرى، وارتبطت الاختلافات باختلاف الثقافات الاجتماعية.
فاعتمد الإرهاب للردع السياسي أو الديني، أو ضد المرأة، أو كل من له توجه يخالف المنظومة العامة، وهنا نتحدث عن القمع النفسي والنهي القاسي الذي يخلق عُقَداً وأمراضاً قد تصل إلى قتل الثقة بالنفس والطموح الشخصي للآخرين.
لكننا وفي سياقنا الآن نتحدث عن "الإرهاب" الجديد وهو الوحش الجلي/المتخفي، هو إرهاب الحكومات والأنظمة لحرية التعبير، التي تعكس مستوى الحريات في الدول، لأن الكلمة هي نفس الإنسان ومن يحبسها فهو قتل متعمد.
واليوم نرى ثلاث دول تقيم تحالفاً في المنطقة يشمل التكاتف دبلوماسياً وعسكرياً وقمعياً لكل مظاهر الحريات للشعوب.
والخطر هنا أن هذا التوسع الأيديولوجي انعكس على حرية التعبير بشكل واضح، ولم يعد بإمكان الإعلاميين في محور تركيا إيران وقطر أن يُبدوا آراءهم في أي من هذه الدول، فليس بإمكان أي إعلامي قطري أن ينتقد تركيا أو إيران، ولا بإمكان الصحفيين الأتراك أن يتحدثوا عن النظام القطري أو الإيراني، ولا الشعب الإيراني والإعلاميين أن يقولوا أو يكتبوا آراءهم حول تركيا وإيران.
وتؤثر حملات الاعتقال والملاحقة التي تشهدها تركيا عقب محاولة الـ 15 من يوليو/تموز الانقلابية الفاشلة بشكل كبير على حرية الإعلام، وحسب "بي بي سي" فقد أصدرت السلطات التركية، كجزء من حملة تطهير الجيش ومؤسسات الدولة ممن تقول إنهم أتباع رجل الدين المنفي في الولايات المتحدة فتح الله غولن، مرسوماً أغلقت بموجبه 131 مؤسسة إعلامية لعلاقتها المزعومة بحركة "حزمت" التي يتزعمها غولن.
وسجل تركيا في مجال حرية الإعلام لم يكن مشرفاً، إذ أدرجتها منظمة "صحفيون بلا حدود" في قائمة مؤشر حرية الصحافة في العالم في المرتبة الـ151 من مجموع 180 بلداً.
كما لم تتسم علاقة الحكومة بوسائط التواصل الاجتماعي بالسلاسة أيضاً، ولكن الرئيس أردوغان لم يتورع عن اللجوء إلى هذه الوسائط ليلة المحاولة الانقلابية لتعبئة مؤيديه ضد الانقلابيين - وذلك رغم الانتقادات التي كان يكيلها لتويتر على سبيل المثال.
وكانت الحكومة التركية حجبت تويتر بشكل مؤقت في مارس/آذار 2014 بعد أن هدد أردوغان "بسحقها"، لأن الخدمة كانت تستخدم لنشر ادعاءات الفساد بحقه وحق ابنه، وهي ادعاءات ينفيها الرئيس التركي.
كما صنفت مؤسسة "فريدام هاوس" إيران ضمن قائمة الدول الأكثر قمعاً لحرية الإنترنت والإعلام، نظراً لحجبها مواقع التواصل الاجتماعي ولفترة المواقع الإلكترونية واعتقال نشطاء الإنترنت.
وقالت المؤسسة الدولية التي ترصد حرية الإعلام والإنترنت في العالم من مقرها بواشنطن، في تقريرها السنوي لعام 2016، إن إيران احتلت المرتبة الـ87 ضمن الدول "غير الحرة"، وصُنفت ضمن أكثر ثلاث دول في قمع حرية الإنترنت. حسب تقرير سبق وأن نشرته بي بي سي.
وقالت المؤسسة إن هذا التصنيف جاء مطابقاً لتصنيف عام 2015 ولم تشهد إيران أي تغير إيجابي باتجاه حرية الإعلام، وما زالت تستمر في اعتقال الناشطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، وتقوم بقيود واسعة على حرية الإنترنت، منها حجب وفلترة المواقع.
وصنفت منظمة "مراسلون بلا حدود" إيران في المرتبة الـ169 من بين 180 دولة من ناحية حرية الصحافة في العالم، حيث إنها تسجن عشرات، وتستمر بقمع نشطاء الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
كما يعتبر إعلاميون ونشطاء أن ما تنشره وسائل الإعلام في الدوحة، سواء المرئية أم المقروءة، لا علاقة له بحرية الإعلام، ووصفوا الإعلام القطري بـ«الإعلام التعبوي» الموالي للنظام الحاكم.
وسياسات الإعلام في قطر تدار من طرف حمد، وهي متشددة وتصل لحد القمع والمصادرة والحكم بالسجن.
وخير دليل على ذلك هو قناة الجزيرة التي عملت لسنوات تحت شعارات زائفة صدقتها شعوب المنطقة ووثقت بها، لكن السؤال الذي رأينا جوابه الآن بعد أن تعرّت هذه القناة ومعها النظام القطري، هو غياب الشأن القطري وأي انتقاد لقطر في قناة مقرها الدوحة.
ووظف نظام حمد هذه القناة لسنوات لدعم الأيديولوجيات الإرهابية، وتحريض الشعوب على إسقاط أنظمتها والدفع في اتجاه ما وصلت إليه الأوضاع الآن في شمال أفريقيا وسوريا والعراق.
والآن ما يفعله النظام القطري بعد أن فقدت قناة الجزيرة مصداقيتها، هو البحث عن مؤسسات وشركات إنتاج خارجية لتمويلها وتوجيهها لإنتاج برامج تواصل خدمة توجهاته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة