برودة الشتاء تلفح الطاقة في أوروبا.. حان وقت إطفاء الأنوار
سجلت أسعار الطاقة في أوروبا مستويات قياسية في الأسابيع الأخيرة، ورغم هذا فإن الأسوأ لم ينته بعد بالنسبة لسوق الطاقة الأوروبي.
فمع برودة فصل الشتاء والذي تصل ذروته خلال الشهرين المقبلين فإن هناك ارتفاعا تقليديا للطلب على الطاقة في القارة التي تعاني أساسا من مشكلة إمدادات الطاقة.
وتحذر راشيل موريسون المحللة الاقتصادية المتخصصة في أسواق الطاقة من احتمالات انتشار حالة من التوتر بين الدول الأوروبية إذا اضطرت الحكومات إلى التحرك لحماية إمدادات دولها من الطاقة، مع احتمال اللجوء إلى مطالبة المستهلكين بترشيد استهلاك الطاقة، أو قطع التيار الكهربائي بشكل دوري في بعض الدول.
وكان الارتفاع الكبير لأسعار الطاقة في بريطانيا خلال الشهر الماضي قد دفع بعض الشركات الصناعية إلى تخفيض إنتاجها وطلب الحصول على مساعدة حكومية، وهو نذير لما يمكن أن يحدث في أوروبا على نطاق واسع، في الوقت الذي تكافح فيه القارة للتغلب على تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد.
صعوبة زيادة الإمدادات
ويقول فابيان روينجين المحلل الاقتصادي في شركة ريستيد إنيرجي إنه من غير المحتمل إيجاد حل لأزمة الطاقة الحالية في أوروبا اعتمادا على زيادة الإمدادات قريبا، حيث لا تقوم الشركات الروسية بضخ أكثر مما يتعين عليه ضخه من الغاز الطبيعي، في حين تقول قطر إنها تنتج أقصى ما تستطيعه من الغاز الطبيعي المسال، لذلك ستضطر صناعة الطاقة الأوروبية إلى الاعتماد على "تراجع الطلب" على الطاقة لمواجهة الأزمة.
وأضاف روينجن "رأينا هذا السيناريو خلال الشهور القليلة الماضية، وفي قطاعات كثيرة، والاحتمال الأقوى استمرار هذا التراجع وتزايد حدته... فاستمرار العمل في ظروف السوق الحالية لم يعد مربحا بالنسبة للكثير من الشركات العاملة في قطاع الطاقة" الأوروبي.
وتأتي أزمة الطاقة لتزيد معاناة أوروبا التي تشكل حاليا بؤرة لجائحة فيروس كورونا المستجد، مع ارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس والمخاوف من السلالة المتحورة الجديدة التي تم رصدها في جنوب أفريقيا والمعروفة باسم "أوميكرون". وقد تم تشديد القيود الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس في بعض الدول، في حين تعاني ميزانيات المستهلكين من ارتفاع معدل التضخم.
وفوق كل ذلك، يمكن يؤدي الطقس شديد البرودة في الشتاء إلى إطفاء الأنوار في أوروبا. كما أن إعادة بعض الدول مثل النمسا فرض إجراءات الإغلاق بسبب كورونا يمكن أن تقلص الطلب على الطاقة، رغم أن عددا قليلا من الحكومات تريد العودة إلى الإغلاق.
وبحسب تحليل راشيل موريسون الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء فإن فرنسا وهي ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا تواجه الخطر بشكل أساسي، فاحتمالات تعرض البلاد لموجات صقيع خلال شهري كانون ثان/يناير وشباط/فبراير تثير مخاوف مشغلي شبكات الكهرباء في البلاد. وإمكانية زيادة إنتاج محطات الطاقة النووية التي تمثل العمود الفقري لقطاع الكهرباء الفرنسي، محدودة لآن الجائحة أجلت عمليات الصيانة لبعض المفاعلات بحسب تقرير منشور يوم 22 تشرين ثان/نوفمبر الحالي. كما ارتفعت أسعار الطاقة إلى أعلى مستوياتها منذ 2022 في توقعات باستمرار ارتفاعها نتيجة زيادة الطلب عليها مع اشتداد درجة البرودة في الشتاء.
ويقول نيكولاس جولدبرج كبير مديري قطاع الطاقة في شركة كولومبوس كونسالتينج الاستشارية في العاصمة الفرنسية باريس "إذا تراجعت درجات الحرارة وتراجعت قوة الرياح، فإن الأمور قد تصبح أسوأ في ظل نقص المتاح من محطات الطاقة النووية وإغلاق عدد من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم مؤخرا".
فرنسا مصدر للكهرباء
وتعتبر فرنسا مصدرا رئيسيا للكهرباء للدول المجاورة وهو ما يعني أن تأثيرات الأزمة ستمتد إلى ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا.
في الوقت نفسه فإن مخزونات الوقود المستخدم في تدفئة المنازل وتوليد الكهرباء أقل من المعتاد، ويتم استنفادها بسرعة. ويحذر المحللون من احتمال وصول مخزونات الغاز الطبيعي في أوروبا إلى الصفر خلال الشتاء الحالي إذا أدى الطقس البارد إلى زيادة الطلب على الطاقة.
وحذر جيرمي فاير الرئيس التنفيذي لمجموعة ترافيجورا جروب السويسرية لتجارة السلع من لجوء دول أوروبا إلى القطع الدوري للكهرباء لمواجهة نقص إمدادات الوقود.
وقال آدم لويس الشريك في شركة هارتي بارتنرز إنه"إذا اشتدت برودة الطقس في أوروبا فلن يكون هناك حل سهل على صعيد الإمدادات، وسيكون الحل المطلوب من ناحية الطلب".
وبالنسبة لعنصر الإمدادات، سيكون أي تحرك مع جانب روسيا عنصرا أساسيا. ورغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشار قبل أيام إلى أن بلاده ستضخ كميات إضافية من الغاز إلى أوروبا لتحقيق استقرار السوق، لكن الإمدادات التي تمت زيادتها مازالت أقل من مستوياتها في العام الماضي. كما أن خط أنابيب الغاز الجديد نورد ستريم2 الذي سينقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق لم يحصل على الموافقات اللازمة لبدء تشغيله رغم جاهزيته للعمل.
أما قطر وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، فتقول إن إنتاجها وصل بالفعل إلى طاقته القصوى. وقد طلبت قطر شراء ست ناقلات غاز مسال إضافية من كوريا الجنوبية إلى جانب أربع ناقلات اشترتها من الصين في تشرين أول/أكتوبر الماضي.
وإذا تدهورت الأمور بشكل أكبر، فقد تلجأ الدول إلى الحد من تصدير الغاز الطبيعي إلى مناطق أخرى. وفي حال السيناريو الأسوأ، يمكن توقف دول أوروبا تصدير الغاز أو الكهرباء من دولة إلى أخرى، بما يثير أزمات سياسية في القارة ويضر بالاقتصاد.
وستمثل أزمة الطاقة الحالية اختبارا لمبادئ التضامن التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي ويفترض أن تمنع أي دولة عضو من وقف تصدير الطاقة أو الغاز الطبيعي إلى دولة أخرى تواجه نقصا فيها، خاصة عندما تكون الإمدادات للاستخدام المنزلي.
aXA6IDMuMTQ0LjEwOS4xNTkg جزيرة ام اند امز