مخدرات كولومبيا في قبضة المكسيكيين.. إسكوبار يتألم في قبره
لم يتخيّل بابلو إسكوبار إمبراطور المخدرات الذي قتل عام 1993، أن تجارة الكوكايين في بلاده كولومبيا، ستنتقل يوما لمنافسيه المكسيكيين.
وأصبح المكسيكيون الملوك الجدد للمخدرات الكولومبية بعد أن كانوا مجرد وسطاء بسيطين في تسعينيات القرن الماضي، لكنهم أصبحوا يموّلون التصنيع حالياً ويشرفون على الشحن من الأراضي الكولومبية.
ويوضح منسق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) في كولومبيا إستيبان ميلو، الإثنين، أنهم يلقَّبون بـ"تجار المخدرات غير المرئيين".
ويرى ميلو أنهم غير مرئيين لأنهم يهتمون "بالتمويل ولذلك لا يحتاجون إلى الظهور، ولا يحتاجون إلى وجود هيئة مسلحة خلفهم لأنهم ليسوا متورطين في نزاعات إقليمية بسبب أعمال تهريب المخدرات".
ويُحتجز حالياً نحو 40 مكسيكيًا في السجون الكولومبية بسبب تهريب المخدرات، وفقاً لجهاز "محامي الشعب"، وهو مكتب رسمي مهمته حماية حقوق الإنسان.
عصابات الرعب
يتبع معظمهم هؤلاء المحتجزين لعصابتي "سينالوا" و"خاليسكو الجيل الجديد" التي تثير الخوف، واعتُقلوا في مناطق يُصدَّر منها الكوكايين على ساحل المحيط الهادئ وفي منطقة البحر الكاريبي وعلى الحدود مع فنزويلا.
وقال الباحث كايل جونسون إن المكسيكيين "لديهم دور إشرافي للتحقّق من أن الشحنات تسير على ما يرام" وتغادر إلى الولايات المتحدة عبر أمريكا الوسطى دون مواجهة مشاكل، وفق.
ويؤكد جونسون "حدوث انعكاس في ميزان القوى بين الكولومبيين والمكسيكيين، وذلك ببساطة لأن مَن يسيطرون على أكثر مراحل الأعمال ربحية تغيّروا".
ويُباع كيلو الكوكايين بنحو 994 دولاراً في كولومبيا، بينما يبلغ ثمنه بعد عبور أمريكا الوسطى، نحو 28 ألف دولار في الولايات المتحدة. وفي أوروبا، يبلغ أكثر من 40 ألف دولار، بحسب موقع "إنسايت كرايم" المتخصّص.
وخلال مدة تتجاوز العقد بقليل، سيطر بابلو إسكوبار، زعيم كارتيل "ميديلين"، على تجارة المخدرات مع منافسيه من كارتيل "كالي". وبعد أربعين عاماً من الحرب على المخدرات، استولى المكسيكيون على التجارة، ولا تزال كولومبيا أكبر منتج للكوكايين في العالم والولايات المتحدة أكبر مستهلك.
ويقول الجنرال المتقاعد ونائب الرئيس الكولومبي السابق أوسكار نارانجو: "كان هناك نوع من تقسيم العمل" في الماضي. ويضيف: "كان الكولومبيون ينتجون الكوكا ويخزنونها وينقلونها إلى ساحل المحيط الهادئ أو بحر الكاريبي أو إلى الموانئ، ثم يهتم المكسيكيون بنقلها إلى المكسيك أو الولايات المتحدة".
طرق نقل المخدرات
ولكن مع سقوط الكارتيلات الكولومبية الرئيسية - وتفتتها - لم تتمتع عصابات المخدرات التي خلفتها بالقدرة على التحكم بالتجارة بالمستوى عينه. وسمح ذلك للمكسيكيين بالتقدّم على الكولومبيين و"إخضاعهم".
وتحت إشرافهم، توقّف نقل المخدرات بالطائرات. وتُنقل الكوكايين حالياً إلى الولايات المتحدة في قوارب سريعة أو غواصات. وبعيداً عن السوق الأمريكية، أعاد تجّار المخدرات الكولومبيون توجيه نشاطهم نحو أوروبا.
ويشرح إستيبان ميلو أن المخدرات تصل منذ ثلاث سنوات عن طريق الشحن و"بكميات كبيرة جدًا" إلى موانئ إسبانيا وبلجيكا وهولندا.
أقوى من إسكوبار
وقال الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو عبر تويتر في 2019 عندما كان لا يزال عضوًا في مجلس الشيوخ إن "الكارتيلات المكسيكية تسيطر حالياً على الكوكايين منذ زراعته إلى بيعه في زاوية شارع في نيويورك". ويعتبر بيترو أن هذه الكارتيلات "أقوى" مما كان عليه إسكوبار.
سيطر إسكوبار على تجارة الكوكايين المتجهة إلى الولايات المتحدة، وحصل على ثروة تبلغ عشرات المليارات من الدولارات. وتحمّل السلطات إسكوبار مسؤولية مقتل ما لا يقل عن 5 آلاف شخص، من بينهم وزير عدل، ومرشح رئاسي، وقضاة، وصحفيون، وضباط شرطة.
كما فجّر إسكوبار طائرة كان يعتقد بالخطأ أنها تقل مرشحا رئاسياً أواخر عام 1989، وفجّر مقراً للشرطة السرية، وأطاح بالحكومة تقريباً من خلال الاغتيالات والرشى والتفجيرات بهدف تخويفها لكي تكون خاضعة له.
خطة طموحة
وأكد خبراء قابلتهم وكالة "فرانس برس" أن منظمات مكسيكية تموّل جماعات كولومبية لتعاود وعلى حساب قتال عنيف أحيانًا، سلك الطرق وزراعة المحاصيل التي تُركت بعد نزع سلاح مقاتلي مجموعة "فارك" المتمردة في عام 2017. وفي مواجهة تقدّم المكسيكيين "غير المرئيين"، تأهبت السلطات الكولومبية للمعركة.
وأطلقت حكومة بيترو الجديدة خطة طموحة لإنهاء عنف الجماعات المسلحة وبينها المنظمات الإجرامية. وبعد أن تولى منصبه في أغسطس/ آب، عرض الرئيس تسهيلات قضائية ووعد بعدم تسليم الولايات المتحدة أعضاء المنظمات التي ستتوقف عن العنف وتنهي تهريب المخدرات "سلمياً".
وتؤكد الرابطة الكولومبية للضباط المتقاعدين من القوات المسلحة أنه "إذا قبلت شبكات الاتجار بالمخدرات الكولومبية عرض مفاوضات السلام والحصول على مزايا قانونية، فإن الكارتيلات المكسيكية ستواجه أكبر تحدٍّ في إنتاج وتوريد الكوكايين منذ أن شنّت الولايات المتحدة الحرب العالمية على المخدرات في عام 1971".
في المقابل، تحذّر مصادر أخرى من أن الفراغ قد يشكّل فرصة فريدة لهذه الكارتيلات لتضع أيديها على كل عملية الاتجار.
aXA6IDMuMTM4LjEzNS4yMDEg جزيرة ام اند امز