إلغاء مؤتمر "النهضة" بتونس.. ديكتاتورية "المرشد" لوأد فساده
الرجل الذي يمكث قرابة الخمسين عاما على رأس الحركة الإخوانية في تونس، يرفض التزحزح من على رأس حركته خشية افتضاح فساده.
لا يبدو أن عواصف الانشقاقات ستهدأ سرعتها في البيت الداخلي لـحركة النهضة الإخوانية، خاصة مع تشبث زعيمها راشد الغنوشي بعدم الاتجاه إلى عقد مؤتمر انتخابي وتسليم القيادة لشخصيات أخرى.
فالرجل الذي يمكث قرابة الخمسين عاماً على رأس الحركة الإخوانية في تونس، يرفض التزحزح من على رأس حركته خشية افتضاح فساده، لارتباطه بجهات تمويل أجنبية مشبوهة.
هذه الهندسة القيادية التي تغيب فيها الديمقراطية يراها العديد من المراقبين السمة المشتركة بين كل الحركات الإخوانية في العالم التي تقوم على عقيدة "ديكتاتورية" المرشد وتوظيف الدين في السياسة لكسب سلطة "كهنوتية".
وقالت مصادر مطلعة لـ"العين الإخبارية" إن راشد الغنوشي قرر تأجيل المؤتمر الانتخابي لحزبه إلى أجل غير مسمى، بعد أن كان من المتوقع إجراؤه في شهر مايو/أيار 2020، رغم أن القوانين الداخلية للحزب تفرض عليه التخلي عن كل المسؤوليات القيادية.
وتفرض القوانين الداخلية لمخرجات المؤتمر التاسع لحركة النهضة سنة 2012، على أن يتم التجديد لراشد الغنوشي بعد دورتين انتخابيتين، كل دورة تدوم أربع سنوات.
وقد استوفى الغنوشي وفق القانون الداخلي لحركته كل إمكانيات الترشح من جديد لترؤس حزبه، في مؤتمر يكتسي أهمية بالغة في تاريخ الحركة الإسلامية بتونس، وهي إقصاء مؤسسها وإبعاده.
ويعمل الفريق المقرب من زعيم إخوان تونس على إلغاء المؤتمر الحادي عشر لسنة 2020، لأنه سيكون بمثابة نهايته السياسية وخروجه من حركة التاريخ في حزبه.
هذه الخطوة دفعت بالرجل الثاني في حركة النهضة عبدالحميد الجلاصي، إلى الاستقالة واتهام الغنوشي في رسالة نشرها للعموم بالاستفراد بالرأي وبالفساد السياسي صحبة عائلته.
وأرجع الجلاصي سبب استقالته إلى غياب الديمقراطية صلب الحركة الإخوانية وتورط الغنوشي في احتكار كل السلطات وتأبيد إدارة الحكم الحزبي بين يديه.
قبر الملف المالي
تدور رحى الاتهامات الموجهة للغنوشي حول الملف المالي وارتباطه بجهات تمويل أجنبية مشبوهة؛ حيث يرى معارضوه أن سعيه للبقاء على رأس حركة النهضة وإلغاء مؤتمرها، هو من أجل قبر الملف السري للأموال التي تحصل عليها من الخارج.
وتقدر ثروة الغنوشي، حسب بعض المصادر المطلعة، بأكثر من 21 مليون دولار، يتقاسمها مع عائلته ضمن استثمارات ضخمة موزعة بين بريطانيا وبعض الجنان الضريبية على غرار دولة بنما.
الناشط السابق في حركة النهضة والباحث في الجماعات الإسلامية قدور السيناوي قال إن مسألة التمويلات الخارجية هي بمثابة الصندوق الأسود الذي يريد الغنوشي احتكاره وإخفاء تفاصيله حتى على أبناء حركته.
واعتبر أن سعيه إلى تأجيل المؤتمر العام لحركة النهضة يأتي في سياق عدم كشف الملفات وإبقاء سيطرته على الخزينة الداخلية لحزب تتقاطع فيه الأموال المشبوهة والجرائم الإرهابية.
وأضاف السيناوي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الغنوشي خالف وعده بالابتعاد عن الحركة في مؤتمرها القادم، وذلك تحت ضغط ابنه معاذ، الذي يمثل خزان أسراره، وصهره رفيق عبدالسلام المكلف بالتنسيق مع التنظيم الدولي للإخوان، إضافة إلى ابنته سمية صاحبة المشاريع الجمعياتية في بريطانيا وفرنسا.
وأشار إلى أن عملية إدخال الأموال المشبوهة تتم عبر جمعية "ياسمين الخيرية" التي ما زالت محل نظر القضاء منذ سنة 2017.
وفي 2017، فتح القضاء التونسي ملف تمويلات الجمعيات الخيرية سنة 2017، بعد دعوة من نشطاء المجتمع المدني ضد حركة النهضة ولكن القضايا بقيت محل نظر قضائياً ولم يتم البت نهائياً في تفاصيلها.
استقالات متكررة.. انفراط العقد
وترجح آراء المتابعين للحركة الإسلامية في تونس بأن عقد التآلف بين أبناء حركة النهضة بدأت تشقه العديد من الانقسامات، وأن الغطاء بحجة الاستقطاب المجتمعي بين شق متدين والآخر علماني لم تعد له مبررات حيوية.
وقد شهدت حركة النهضة في غضون ستة أشهر استقالة قرابة 10 قيادات أبرزها أمين سر الحركة، زبير الشهودي، واعتزال أحد مؤسسيها عبدالفتاح مورو وانسحاب الرجل الثاني عبدالحميد الجلاصي.
كما قدم القيادي في الحركة حاتم بولبيار استقالته من الحزب، وكذلك أمينها العام التنفيذي زياد العذاري.
ووضع زبير الشهودي أمين سر مكتب حركة النهضة، بعد استقالته، في سبتمبر/أيلول الماضي، راشد الغنوشي في مرمى الاتهامات بالفساد والاختلاس للمال العام والثراء الكبير بدون وجه حق، هو وصهره رفيق عبدالسلام، معلناً استقالته في رسالة شهيرة نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي في تونس.
ولن تكون هذه الاستقالات الأخيرة حسب رأي العديد من الخبراء، فراشد الغنوشي الذي يقارب سنه الثمانين عاماً، أصبح عاجزاً عن السيطرة على الطموحات الجامحة لخلافته، وعن التساؤلات الحارقة عن مصادر ثروته وعن مدى قدرته للتوفيق بين رئاسة البرلمان ورئاسة حزبه.
وفي الوقت الذي تفتح فيه حركة النهضة أكثر من جبهة في حروبها العقائدية السياسية، ستكون أمام "جائحة" داخلية عنوانها الأبرز هو "فيروس" السلطة والتحكم في مصادر الأموال المشبوهة.
الباحث في القانون والمحلل السياسي الضاوي المازني قال إن صراعات أبناء حركة النهضة ستكون أعنف من كل الصراعات السياسية، الذي شملت الأحزاب في تونس، وقد تنقسم الحركة بعد انقضاء آجال انعقاد المؤتمر في شهر مايو/أيار المقبل.
وأوضح المازني، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن موجة الانتقادات التي تتصاعد يومياً ضد راشد الغنوشي يتبناها من كانوا أنصاره في السابق أكثر من خصومه التقليديين، وهو مؤشر على حد تقديره لـ"كورونا" سياسة قد تفرض على الغنوشي البقاء في الحجر السياسي بشكل مؤبد.