الناسور الولادي.. مرض صامت ينهش أجساد اليمنيات

في اليمن، حيث تخوض النساء معركة مميتة مع شبح الناسور الولادي، مر اليوم العالمي لمكافحته دون أن يحدث ضجيجا تاركا وراءه معاناة لا توصف.
وبينما احتفل العالم أمس الجمعة (23 مايو/أيار) بمكافحة هذا المرض، ظل ينهش أجساد نساء اليمن ويغتال حياتهن بهدوء مأساوي.
والناسور الولادي هو مضاعفات خطيرة للولادة، تحدث نتيجة المخاض الطويل والمتعسر، ودون رعاية طبية مناسبة؛ قد يتسبب هذا المخاض في حدوث ثقب بين قناة الولادة والمثانة أو المستقيم -أو كليهما- ويؤدي إلى الإصابة بالناسور الولادي.
ولا يؤدي الناسور فقط إلى تسرب البول أو البراز بشكل لا إرادي، بل إن 90% من النساء المصابات به يلدنّ أيضّا أجنةً ميتة؛ ويتسبب هذه المرض بصدمات جسدية ونفسية قد تستمر مدى الحياة إذا لم يتم علاجه، ومع ذلك، يبقى الناسور الولادي قابل للوقاية بشكل شبه كامل.
نظرة دونية وأسباب اجتماعية
تتعرض المئات من النساء للنبذ والعزلة الاجتماعية والطلاق من أزواجهنّ؛ بسبب النظرة الدونية للمصابات بالناسور الولادي؛ رغم أنهنّ ضحايا عسر الولادة، وكثير من الأسر لا تقبل أن تعيش المصابة بالناسور معهم.
حيث تتهم المصابة بقلة النظافة؛ بسبب الروائح الكريهة الخارجة دون إرادتها؛ وخروج البول والغائط بشكل لا إرادي ليلًا ونهارًا ولا تستطيع التحكم به.
وتواجه نساء اليمن خطرًا متزايدًا للإصابة بالناسور الولادي أثناء الولادة؛ بسبب نقص أو انعدام الخدمات الصحية الإنجابية (صحة الأم والوليد)؛ ما يؤثر على أكثر من 5 ملايين امرأة في سن الإنجاب عام 2025، حيث تحدث 6 ولادات من كل 10 من دون قابلة مدربة.
وتقول أخصائية برامج صحة الأم في صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) الدكتورة أفراح الأديمي، إن "السبب الرئيسي للناسور هو تعسر الولادة، لكن هناك عوامل اجتماعية ومعيشية أخرى تساعد على حدوث النواسير، كالفقر وسوء التغذية وزواج القاصرات في سن صغيرة؛ مما يؤدي إلى ولادة في حوض غير مكتمل النمو".
وتضيف الأديمي في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية" أن "سوء التغذية أيضا يضعف بنية الجسم ويزيد من مخاطر الولادة المتعسرة، وكذا نقص الخدمات الصحية، خاصة في المناطق الريفية؛ مما يضطر النساء للولادة في المنزل دون إشراف طبي، وتدهور النظام الصحي، وتدمير المرافق الصحية ونقص الكوادر الطبية المؤهلة".
ويُقدّر عدد النساء المصابات بالناسور الولادي في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، بما فيها اليمن، بين 50,000 و100,000 حالة جديدة سنويًا، مع وجود نحو مليوني امرأة بحاجة إلى عمليات إصلاح الناسور.
وفي اليمن، يُتوقع زيادة حالات الناسور الولادي بسبب ارتفاع معدلات الزواج المبكر، وسوء التغذية، وتدهور النظام الصحي، بحسب الأديمي.
تحديات التمويل
في هذا الصدد، يبرز دور صندوق الأمم المتحدة للسكان كأهم الجهات العاملة على مكافحة هذه المشكلة في اليمن، من خلال تقديم الرعاية الطبية والدعم النفسي والاجتماعي للمصابات، بالإضافة إلى التوعية المجتمعية والوقاية".
وبحسب أفراح الأديمي فإن "تدخلات الصندوق تأتي من خلال تدريب القابلات لمساعدة الأمهات على الولادة الآمنة، وتقديم الرعاية للناجيات من ناسور الولادة، وتوفير دعم تقني ومستلزمات طبية، وتعزيز الوعي المجتمعي حول الناسور الولادي وكيف يمكن علاجه".
وأشارت إلى أن "الصندوق أنشأ مركزين للرعاية وعلاج الناسور الولادي، أحدهما في مستشفى الصداقة بمدينة عدن، والآخر في مستشفى الثورة بمدينة صنعاء؛ يقدمان الرعاية والمعالجة الخاصة بناسور الولادة مجانًا، ولأكثر من 100 مصابة بالناسور سنويًا".
لكن "صندوق الأمم المتحدة للسكان بات يوجه تحديات كبيرة بسبب نقص التمويل؛ مما يهدد استمرارية الخدمات المقدمة للنساء المصابات بالناسور الولادي"، تقول الدكتورة أفراح الأديمي.
وتواصل: "هذا النقص قد يؤدي إلى تقليل الدعم للمراكز الصحية، وبالتالي توقف العمليات الجراحية؛ مما قد يزيد من معاناة النساء".
نشر التوعية
التوعية عبر وسائل الإعلام، سلاح مهم من أسلحة مواجهة الناسور الولادي في اليمن، وهو ما تنبّه له صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي عمل على تدريب نخبة من الإعلاميين لنشر رسائل تساعد على التعريف بالناسور الولادي ومكافحته، وتعزيز الوعي المجتمعي لمعرفة أهمية الحصول العلاج ومجانية الخدمة وكسر حاجز العادات، والتأكيد على أن هذه الإصابة يمكن علاجها كحق من حقوق الناجيات.
وفي هذا الشأن، يقول الصحفي والمدرب الإعلامي، بسام غبر، إن تسليط الضوء على قضية الناسور الولادي يشكّل حاجةً ماسة لتصدير مثل هذه القضايا للرأي العام، والتوعية بالأعراض والآثار التي قد تلحق بالناجيات نتيجة هذا المرض.
وأشار غبر -الذي أشرف ونفذ عملية تدريب إعلاميين في هذا المجال- إلى أن الناسور الولادي مرض عضوي لكنه يؤثر شخصيًا (نفسيًا)، وله ارتباطات اجتماعية، متصلة بالعيب المجتمعي؛ ولهذا يحتاج إلى الكثير من التوعية والإدراك والفهم، في أوساط المجتمع.
وقال غبر لـ"العين الإخبارية" إن هذا الهدف لن يتأتَ إلا عن طريق الإعلام، فالتعاطي مع هذه القضايا إعلاميًا يعطي أهمية كبيرة ويركز على قضايا قد تكون مغيبة عن الرأي العام، ويعمل على لفت أنظار المجتمع، وهو ما يجب الأخذ به وعدم إغفاله.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTIwIA== جزيرة ام اند امز