«عام المجتمع».. المجالس منصات حية لترسيخ منظومة القيم الإماراتية

تزامنا مع إعلان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، تخصيص عام 2025 ليكون "عام المجتمع" في دولة الإمارات، زادت وتيرة نشاط المؤسسات الاجتماعية والخيرية المعنية في إمارة أبوظبي.
وسارعت تلك المؤسسات نحو اعتماد عدد من البرامج المجتمعية والإعلان عن أنشطة وفعاليات تعكس روح تلك المبادرة عبر المجالس.
مبادرات حضارية غير مسبوقة
وأكد الباحث محمد سعيد الرميثي، ان مبادرات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان السنوية تستثير الهمم والإبداع وتدفع نحو المزيد من التطور، وتعد منصات حية لترسيخ منظومة القيم الإماراتية، ومصدرا لإلهام الأجيال وتحفيزهم نحو تبني نمط حياة يرسخ معنى الخير والعطاء والتجديد والطموح والتآزر والتلاحم.
وشدد على أن مبادرة "عام المجتمع" رؤية كريمة جاءت لغرس المعاني والقيم والمبادئ، وتعزيز وتمكين الأصالة الوطنية وروح التعاون والألفة والمودة والمحبة بين جميع شرائح المجتمع الإماراتي، انطلاقا من القناعة العالمية، وهي أن قوة الدول والأمم لا تكمن في مواردها فقط، بل في الروح الجماعية لشعبها، وفي تماسكه والتفافه حول قيادته.
وقال: "المجالس" خير وسيلة وأداة تجسد روح المبادرة، وما تحمله من معاني تشجع كل من يعيش على هذه الأرض الطيبة على تبني ثقافة التطوع والتكافل والعطاء والتمسك بالقيم الأصيلة، وكرم الضيافة وطيب المعشر والبذل والتسامح، والخدمة المجتمعية والمسؤولية المشتركة نحو الإمارات، وتعزيز الترابط الأسري والتعاون المجتمعي، لدعم مسيرة وطن قوي ومتماسك ومزدهر.
وأضاف: "مجالس حكام الإمارات لا ترد صاحب الحاجة، وأبوابها مفتوحة للترحيب والاستماع إلى كل شرائح المجتمع، وسرعة الاستجابة وهو أسلوب استثنائي جعل الإمارات نموذجا متفردا في التلاحم المجتمعي الحقيقي".
مجالس الأحياء لا تخطئها العين
وأشار الرميثي إلى أن مشاريع "مجالس الأحياء" في إمارة أبوظبي لا يمكن أن تخطئها العين، وتعتبر جزءا لا يتجزأ من المنظومة الحكومية المميزة، تهتدي بهديها وتسير على نهجها بهدف تجسيد رؤيتها الرشيدة على أرض الواقع من خلال مشاريعها وخدماتها، وخصوصا على صعيد تعزيز منظومة البنية الاجتماعية والثقافية في مدينة أبوظبي وضواحيها، والمساهمة في دعم التنمية المستدامة وإيجاد المرافق الخدمية التي تلبي تطلعات المجتمع وتحقق أسباب السعادة لجميع السكان.
وقال: الحمد لله المجالس في إمارة أبوظبي طالها التطور والتحديث وتوسعت دائرة نشاطها، فبعد أن كانت مقتصرة على المجالس الفردية ظهرت حديثا مجالس الأحياء الحكومية، وطبيعي مع مرور الوقت تغير شكلها، وأصبحت أيقونات معمارية واجتماعية تتزين بها العاصمة ومناطقها المختلفة، وتبدل دورها التقليدي إلى دور أكثر حداثة وتطورا، وتحولت من مجالس تقليدية إلى مجالس خدمية وعامة تستوعب التحول الرقمي، واستطاعت إدماج الأدوات التكنولوجية والأنظمة الرقمية في خدماتها المجتمعية لجعلها أكثر حداثة وكفاءة.
ووفقا للإحصائيات الرسمية يوجد 68 مجلسا في إمارة أبوظبي، منها 30 مجلسا تعمل في مدينة أبوظبي وضواحيها، وفي منطقة العين يوجد 32 مجلسا، وفي منطقة الظفرة 6 مجالس، تقدم خدمات تنظيم الأعراس ومناسبات العزاء وحجز القاعات متعددة الاستخدام، وتوفر مكتباتها خدمات القراءة بالإضافة إلى إقامة الندوات والفعاليات المختلفة.
أقدم المجالس في إمارة أبوظبي
وحول تاريخ المجالس في إمارة أبوظبي.. قال الباحث محمد سعيد الرميثي: تاريخ المجالس في إمارة أبوظبي ضارب في القدم، ويعد مجلس الشيخ زايد بن خليفة، المعروف بالشيخ زايد الأول، من أقدم المجالس في الإمارة حيث قام بتأسيسه في قصر "الحصن" لكي يستضيف اجتماعاته الدورية.
كما حرص على أن يستقبل الأهالي في مجلسه الذي كان مفتوحا للجميع، ولطالما تردد عليه الناس ليستمع إلى مطالبهم، ويقف على أحوالهم ويفصل في خلافاتهم، كذلك كان المجلس مكانا لتبادل الأخبار والقصص وإلقاء الشعر.
وأضاف: قصر "الحصن" شهد إلى جانب مجلس الحاكم؛ مجالس أخرى، منها مجلس للنساء، حيث استضافت الشيخة سلامة بنت بطي، المجلس النسائي في إحدى الغرف القريبة من غرفتها الخاصة، وكان يضم صفوة سيدات المجتمع من مواطنات أو مقيمات وزائرات.
وأشار إلى أنه ورد ذكر مجلس المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في كثير من المراجع الأجنبية، وتحدث عنه الرحالة البريطاني مبارك بن لندن "ولفرد ثيسجر"، الذي قابل المغفور له الشيخ زايد عامي 1945 و1952 تحت ظل شجرة غاف معمرة اتخذها المغفور له مجلسا أمام قصر المويجعي في مدينة العين، ثم جاء ذكر مجلس الشيخ زايد الكائن في مستشفى الواحة بمدينة العين كمعلم بارز، ويقع المجلس عند مدخل مستشفى الواحة، ويحتوي على معرض للصور يجسد مراحل تطور المدينة وتاريخ قطاع الرعاية الصحية.
وقال الرميثي: يعد المجلس جزءا أساسيا من حياة الإماراتيين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وحرص الحكام والجهات المسؤولة وأفراد المجتمع على استدامة دوره، وأدرجته اليونسكو ضمن قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي عام 2015.
تراث تناقلته الأجيال
وقال المواطن شبيب بن حمد الدرمكي من مدينة العين: "أسس والدي مجلسه في منطقة القطارة منذ سبعينات القرن الماضي، وما زال قائما حتى اليوم، ومعروف انه من أقدم المجالس في مدينة العين، وأهمية المجلس منذ القدم لا تقاس بمساحته، ولكنه يقاس بأهله ورجالاته، وقد ترددت على مجلسنا أجيال تعلمت فيه حكمة الرجال وأخلاقهم واستمعوا إلى تجارب الآباء والأجداد الثرية".
وأضاف: "لا شك أن المجالس تراث تناقلته الأجيال وحافظت عليه، وطبيعي مع مرور الوقت لم يتغير شكل المبنى فقط بل طبيعة أهله أيضا، ولكن ما زال ملتقى الجيران والأقارب وأهل الحي لمناقشة المواضيع الملحة، كما تعتبر المجالس مدارس للعادات والتقاليد الإماراتية نشأت فيها الأجيال، وتعلمت بين جدرانها العادات والتقاليد، وشهدت حلقات للشورى وحافظت على الثقافة الإماراتية والهوية الوطنية، وتعد بمثابة صالونات ثقافية".
وأكد الدرمكي أنه فور إعلان مبادرة "عام المجتمع" زاد حرص المسؤولين واهتمام المشرفين على إعادة إحياء دور المجالس في الإمارة ثقافيا واجتماعيا، وذلك انطلاقا من أهميتها وتاريخها الاجتماعي المشرف، ولما عرف عنها منذ القدم استضافتها لعابري السبيل وتقديم كرم الضيافة، ودورها في إثراء الحياة الاجتماعية وبما تحمله من دلالات اجتماعية وثقافية وتراثية.
وشدد الدرمكي على ضرورة تبنى المجالس كافة مبادرة "عام المجتمع"، وتحويل مجالس الأحياء والمجالس الخاصة إلى ملتقيات فاعلة، ومنصات مثالية لتعزيز التواصل والتلاحم المجتمعي، وصقل مهارات الشباب القيادية.