البرلمان والمحكمة الدستورية بتونس.. مسار يلغمه الإخوان
مجلس النواب التونسي يناقش اليوم مسألة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وسط عرقلة حركة النهضة في المصادقة على الأسماء المرشحة لعضويتها.
في 5 مناسبات، فشل البرلمان التونسي في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وسط انتقادات موجهة بشكل أساسي لحركة "النهضة" الإخوانية التي تماطل في المصادقة على المرشحين، بهدف فرض قائمة أسمائها.
وللمرة السادسة، سيحاول البرلمان، في وقت لاحق اليوم الأربعاء، طرح المسألة للنقاش من جديد، في محاولة لحسم هذا الملف الذي بات يؤرق، بشكل جدي، الرأي العام في تونس.
ريم محجوب، النائبة في البرلمان عن حزب آفاق تونس (ليبرالي)، كشفت في تصريحات إعلامية، عن محاولات حركة النهضة التي يتزعمها راشد الغنوشي، مقايضة الأحزاب البرلمانية بأسماء بعينها بخصوص عضوية المحكمة الدستورية.
وقالت النائبة إن "إخوان تونس يريدون فرض اسم المحامي العياشي الهمامي المقرب من المنصف المرزوقي (رئيس البلاد السابق)، كعضو داخل المحكمة الدستورية، مقابل الموافقة على سناء بن عاشور التي تواجه تشويها من قبل الإخوان بسبب مواقفها المعارضة لهم".
- استطلاع لانتخابات تونس: القروي يتصدر.. وتراجع مدوٍ للشاهد والإخوان
- انشقاق جديد بالإخوان.. استقالة مستشار رئيس "النهضة" بتونس
وسناء بن عاشور هي ابنة العلامة الزيتوني الفاضل بن عاشور، وهي أستاذة الحقوق والعلوم السياسية بجامعة المنار بتونس.
الإخوان يعطلون المسار
ويرى مراقبون أن حركة النهضة الإخوانية هي الطرف السياسي الوحيد الذي يعمل على تعطيل تشكيل أعضاء المحكمة الدستورية، والأخيرة تعتبر المحدد الرئيسي لانتقال السلطة في البلاد وفق الدستور.
وكان من المفترض أن يقع تشكيل المحكمة عام 2014 وفق نص الدستور، إلا أن الأغلبية الإخوانية داخل البرلمان التونسي حاولت تعطيلها لتشبثها بضرورة وضع أسماء قريبة لأفكارها المتطرفة.
ويعارض كل من حزب "نداء تونس" الذي أسسه الرئيس الباجي قايد السبسي، و"مشروع تونس" الذي يترأسه محسن مرزوق، الأسماء التي اقترحتها حركة النهضة، والمتمحورة في الأساس حول شخصية العياشي الهمامي القريبة من المنصف المرزوقي.
وفي هذا السياق، يقول عماد بن حسن الناشط في حزب "مشروع تونس" إن "حركة النهضة تريد توظيف المحكمة الدستورية لصالحها، عبر اختيار أعضاء قريبين من سياستها حتى تستطيع أن تقوم توظيفهم مستقبلا لصالحها".
والمحكمة الدستورية في تونس تفرض على مجلس نواب الشعب انتخاب 4 أعضاء بأصوات 14 نائبا (الأغلبية المطلقة)، وهو ما يتطلب توافقات واسعة ومعقدة.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، أوضح الناشط الحزبي أن كتلة الإخوان وعددها 68 نائبا، تعارض انتخاب شخصية سناء بن عاشور المتوافق حولها "كتلة الجبهة الشعبية" و"نداء تونس" و"مشروع تونس" و"الائتلاف الوطني" (كتلة رئيس الحكومة يوسف الشاهد)، وهذا التوافق مبني في الأساس على معارضتها التاريخية للإسلام السياسي، ولكتاباتها النقدية ضد حركة النهضة الإخوانية.
وبرزت أهمية المحكمة الدستورية في الفترة الأخيرة، إثر الوعكة الصحية الحادة التي تعرض لها السبسي، باعتبارها الجهة الوحيدة المخول إقرار مسألة عجز الرئيس من عدمه، وفق الدستور.
والمحكمة الدستورية هي هيئة قضائية تونسية وقع إقرارها بموجب دستور 2014، وتضم 12 عضوا، 4 منهم ينتخبهم مجلس النواب، و4 يختارهم المجلس الأعلى للقضاء، و4 يعينهم رئيس الجمهورية.
الإخوان يراهنون على الفراغ الدستوري
الكاتب الصحفي محمد بوعود، قال في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن حركة النهضة تراهن في الوقت الحالي على فراغ المؤسسات، وعدم الدخول في رهانات البناء الدستوري للبلاد، خدمة لمصالحها الخاصة والضيقة .
ويعتبر مراقبون حركة النهضة جزءًا من عملية انقلابية ضد الرئيس السبسي في فترة مرضه، من خلال دفع نائب مجلس نواب الشعب عبد الفتاح مورو إلى الاستيلاء على منصب الرئاسة .
وأشار بوعود إلى أن الإخوان يراهنون على توتر الأوضاع السياسية، والمراهنة على ضعف مؤسسات الدولة التونسية لتمرير سياساتهم.
محللون يعتبرون من جانبهم، أن غياب المحكمة الدستورية سيجعل من الانتخابات القادمة (التشريعية 6 أكتوبر/تشرين الأول والرئاسية 10 نوفمبر/تشرين الثاني)، تحت وطأة التشكيك، خاصة أن قانون تعديل الانتخابات لا يزال بانتظار اكتمال عضوية المحكمة الدستورية لإقرار التعديلات .
وتقر التعديلات إقصاء شخصيات سياسية مثل رجل الأعمال نبيل القروي الصاعد في استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات، بسبب رئاسته لجمعية "خليل تونس" الخيرية.
وبين من يعارض التعديلات ومن يتفق معها، تبقى إلى اليوم في تونس المحكمة الدستورية مطلبا أساسياً حسب العديد من النخب التونسية وخاصة السياسية والقانونية .
من جانبه، يقول محمد لخضر السايبي، الناشط النقابي والسياسي في "الجبهة الشعبية" (إئتلاف يساري)، إن "الائتلاف الحاكم هو المستفيد الأول من عدم وجود المحكمة الدستورية" .
وأكد السايبي، لـ"العين الإخبارية"، أن ائتلاف الشاهد والإخوان يعمدون إلى استغلال غياب مؤسسة المحكمة الدستورية، لتمرير كل القوانين غير الشرعية وفق الأغلبية البرلمانية، وتحويل تونس إلى "مزرعة" خاصة للاتفاقات السرية التي تخدم مصالحهم .
ويتوقع "السايبي" أن الأطراف المعارضة للإخوان والشاهد داخل البرلمان التونسي، ستكون على قدر من المسؤولية السياسية للضغط الإيجابي من أجل انتخاب الأعضاء الأربعة للمحكمة الدستورية .
وكان الرئيس التونسي دعا في خطابه بمناسبة الذكرى 63 للاستقلال إلى أهمية انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بعيدا عن الحسابات الضيقة .
وأوضح أن خطاب "السبسي" احتوى على العديد من الرسائل التي وجهها إلى حركة النهضة، منها ضرورة التخلي عن أساليبها غير الأخلاقية في تعطيل المسار الديمقراطي وضرب الديمقراطية التونسية الناشئة