كوبا أمريكا.. حكاية أقدم بطولة قارية
"العين الرياضية" تستعرض ملابسات تنظيم بطولة كوبا أمريكا وكيف انطلقت كأول بطولة قارية للمنتخبات في عالم كرة القدم.. طالع التقرير.
تفصلنا أيام على انطلاق بطولة كوبا أمريكا، أعرق بطولة للمنتخبات، وأقدم كأس قارية في تاريخ كرة القدم، والوحيدة في هذا المضمار التي تجاوز عمرها القرن من الزمان، التي انطلقت نسختها الأولى عام 1916، قبل 14 عاماً من انطلاق كأس العالم.
تأخرت باقي قارات العالم في تنظيم بطولاتها للمنتخبات؛ حيث بدأت كأس آسيا عام 1956، وبعدها بعام واحد انطلقت بطولة الأمم الأفريقية، وبعد عام آخر ظهرت بطولة أمم أوروبا، ثم أتت الكأس الذهبية أو لمنتخبات أمريكا الشمالية والوسطى عام 1963، وأخيراً بطولة أوقيانوسيا عام 1973.
وفي ضوء هذا القِدم غير القابل للمنافسة، تستعرض "العين الرياضية" ملابسات تنظيم البطولة العريقة، وكيف انطلقت كأول بطولة قارية للمنتخبات في عالم كرة القدم؟
أجواء احتفالية:
عام 1816 استقلت الأرجنتين عن إسبانيا لتنهي 3 قرون من الاحتلال، وجاء الاستقلال تتويجاً لثورة شعبية ومقاومة مسلحة دامتا لمدة 6 سنوات، وعرفت باسم "ثورة مايو"، ومع حلول عام 1910 قررت الحكومة الأرجنتينية الاحتفال بمئوية بداية الثورة، ورأى القائمون على الدولة أن الفكرة الاحتفالية المناسبة هي تنظيم بطولة كرة قدم، وبما أن المناسبة وطنية، فمن الأولى أن تكون الفرق المشاركة منتخبات وليست فرقاً، ما يضمن التفاف الجمهور والشعب الأرجنتيني خلف فريق واحد يرفع علم بلاده التي يحتفلون بذكرى استقلالها.
في ذلك العصر لم يكن صعباً تنظيم بطولة، فلم تكن هناك أجندة دولية حاكمة لمواعيد المباريات ولا بطولات دورية، بل لم يكن هناك بالأساس اتحادات قارية، إنما كان المشهد الكروي في العالم عبارة عن اتحادات محلية تنضوي تحت لواء اتحاد دولي ما زال يحلم بانتزاع الحق في إدارة اللعبة بالكامل من سيطرة اللجنة الأولمبية الدولية.
وبالفعل مع نهايات شهر مايو/أيار من عام 1910م شهد الجمهور الأرجنتيني انطلاق بطولة ودية ضمت منتخبات الأرجنتين وتشيلي وأوروجواي، وأقيمت بنظام الدوري، وجاءت المباراة الأخيرة بين منتخب الأرجنتين ونظيره الأوروجواياني، وانتهت بفوز أصحاب الضيافة بنتيجة 4-1.
ميلاد الفكرة:
نجاح البطولة وسط الأجواء الاحتفالية مع الظروف السياسية للقارة، علاوة عن موقعها الجغرافي، ساعدا على بزوغ فكرة تنظيمها بشكل دوري، وتأسيس اتحاد إقليمي يضم اتحادات القارة وينظم العلاقات بينها، لكن تلك الأحلام الوردية اصطدمت بصخرة الاتحاد الدولي "فيفا" الذي عارض بشدة فكرة إقامة اتحاد قاري.
سعى الأوروجواياني هيكتور ريفادافيا لإنجاح فكرة البطولة القارية، وفتح قنوات اتصال شبه مستمرة مع الاتحادات المحلية الأربعة في القارة، بغية تحقيق فكرة البطولة والاتحاد القاريين.
ساعة الحسم:
طول النقاشات والصراع مع الفيفا أدى تدريجياً لبلورة الفكرة وتقارب وجهات نظر الاتحادات الأربعة في أمريكا الجنوبية، التي تشجعت أكثر على مواجهة الفيفا ورئيسه الفرنسي جول ريميه، وبعد جولات من النقاشات انطلقت النسخة الأولى من كوبا أمريكا عام 1916، بعد مرور قرن كامل على نجاح الثورة الأرجنتينية، وذلك بمشاركة البرازيل وتشيلي وأوروجواي.
نتائج الانطلاقة:
أقيمت البطولة بنظام الدوري من دور واحد، ولعب منتخب أوروجواي المباراة الافتتاحية والختامية للبطولة، اكتسح تشيلي في المباراة الافتتاحية بنتيجة 4-0، وفي الختام واجه أصحاب الأرض والجمهور وهو متفوق عليهم بنقطة، ونجح الفريق الضيف في الخروج بنتيجة التعادل السلبي، ليتوج باللقب ليكون بذلك أول بطل قاري في التاريخ، في حين اكتفت الأرجنتين بالوصافة والاحتفال التاريخي بمئوية الاستقلال.
عجائب البدايات:
لم تخل البطولة من أجواء التنافس الشرسة وتصادف أن تلتهب الأحداث في المباراة الافتتاحية والختامية، في المباراة الأولى شارك ضمن منتخب أوروجواي لاعبان من أصول أفريقية وأحرزا هدفين، فما كان من منتخب تشيلي إلا التقدم بشكوى مفادها أن اللاعبين لا يحق لهما اللعب ضمن صفوف أوروجواي باعتبارهما ليسا مواطنين، لكن تم رفض الشكوى واعتماد نتيجة المباراة.
أما المباراة الختامية فشهدت تدافعاً جماهيرياً كبيراً تطور إلى أحداث شغب مخيفة، دفعت الحكم لإلغاء المباراة بعد مرور أقل من 10 دقائق على انطلاقها، لتعاد في اليوم التالي على ملعب مختلف.
اغتنام الفرصة:
على الصعيد الإداري لم يهدر السياسي والصحفي اللامع هيكتور ريفادافيا الفرصة هذه المرة، بل استغل كل خبراته الحياتية ليغتنم الفرصة، بعدما أدرك أن الزخم الجماهيري والإعلامي للاحتفالات والبطولة لن يتكرر، فسارع باستغلال التوقيت المناسب واتخاذ القرار بدعوة الاتحادات المشاركة، للإعلان عن تأسيس اتحاد قاري يحمل اسم "كونميبول"، وأهم أولوياته هي الحفاظ على استمرارية هذه البطولة، وأول قراراته اعتماد هذه النسخة كأول دورة رسمية لها، وهو ما تمت الموافقة عليه بالإجماع ليصبح الكونميبول هو أقدم اتحاد قاري.
استمرار رغم كل شيء:
اعترف الفيفا بالاتحاد الجديد واستمرت البطولة بنفس النظام، لكن عانت من بعض المطبات التنظيمية، فتارة تلغى بسب انتشار أوبئة وتارة بسبب احتدام العداء بين بعض المنتخبات كما في حالة الأرجنتين والأوروجواي بعد مونديال 1930، ووصل التخبط التنظيمي مداه فترة الخمسينيات، لكن طوال هذه المدة كانت منتخبات جديدة تنضم للاتحاد ومن ثم إلى البطولة، إلى أن جاء عام 1975 وكان الاتحاد ينعش بطولته العريقة من ثبات دام 8 سنوات، وبالفعل انطلقت البطولة من جديد بمشاركة جميع الاتحادات المحلية وعددها 10، لكن بنظام جديد ومسمى جديد.
تعديلات تنظيمية:
النظام الجديد تخلى نظام البطولة المجمعة وتبنى نظام أشبه بالتصفيات التأهيلية؛ حيث قسم المنتخبات إلى حزمتين، بطل وحده في كفة و9 منتخبات في كفة أخرى، يتم تقسيم المنتخبات التسع على 3 مجموعات تلعب معاً دوري من دورين (ذهاب وعودة)، ويتأهل بطل كل مجموعة إلى الدور نصف النهائي بصحبة حامل اللقب، وفي الدورين نصف النهائي والنهائي يستمر أيضاً اللعب بنظام الذهاب والعودة، على أن تقام البطولة مرة كل 4 سنوات.
استمر هذا النظام المعقد لـ3 دورات قبل أن يعود كونميبول لنظام البطولة المجمعة بمشاركة الفرق العشر العضو فيه، على أن تقام البطولة كل سنتين، ثم تم توسيع المشاركين إلى 12 منتخباً، وتكون مهمة الاتحاد دعوة منتخبين من خارج القارة للمشاركة، وذلك بداية من نسخة عام 1993، وهو النظام القائم حتى اليوم، مع تعديل جديد في زمن انعقاد البطولة والعودة للعب مرة كل 4 سنوات.
aXA6IDEzLjU5LjEyOS4xNDEg جزيرة ام اند امز