بعض النيات الطيبة تقول: "أن يموت الناس بكورونا، خير لهم من أن يموتوا من الجوع".
تحت ضغط الحاجة الاقتصادية، والخشية من الركود أو البطالة الواسعة أو الكساد، تنطلق دعوات لما يفترض أنه "قبول للواقع" في الحرب مع كورونا.
هذه الدعوات جديرة بالاعتبار، ولكن ينقصها الحساب، كما ينقصها النظر إلى ما بعد الحدود الوطنية.
هي جديرة بالاعتبار لأنها تحصي التكاليف الاقتصادية الباهظة للإغلاق. وهناك خشية واقعية تماما من أن العثور على علاج ناجع قد يستغرق وقتا أطول مما يتحمله الاقتصاد العالمي، أما اللقاح فإن الوصول إليه لا يزال يبعد عنا إلى ما بين 12 و18 شهرا.
ومن الحقيقي للغاية، ألا يستطيع العالم أن يظل واقفا على قدم واحدة كل ذلك الوقت.
في مواجهة وباء عابر للحدود، وفي اقتصاد عابر للحدود، يقتضي النظر إلى ما بعد الحدود. الدولة التي تختار طريق الاستسلام، يتعين أن تقبل العزلة. والعزلة لن تخدم أي اقتصاد.
كما في كل الحروب الأخرى، فإن الدعوات إلى الاستسلام تبدو مستهجنة. ولكن في مواجهة عدو غامض وغير مرئي ونعجز عن قصفه، يبدو الاستسلام مقبولا أكثر.
بعض النيات الطيبة تقول: "أن يموت الناس بكورونا، خير لهم من أن يموتوا من الجوع". وإذا نظرت إلى الأمر من زاوية الاقتصاد الصغير، فإن العاقبة موجعة من دون أدنى شك. ولو أنك سألت مئات الملايين من الفقراء في مختلف أرجاء العالم، عما يختارون، فإنهم سوف يدعمون فكرة الاستسلام للواقع. هم يموتون كل يوم لا يجدون فيه عملا. ولا تفرق كثيرا بالنسبة لهم أن يكونوا عرضة لموت آخر.
ويمكن للمرء أن يقرأ ويشاهد كل يوم الكثير من الآلام، التي تجعل كل قول فوقها نوعا من الترف. ولكني أزمع المغامرة بنقض الفكرة من الأساس، لأزعم أن الاستسلام أمام كورونا لن يحقق النتيجة الاقتصادية المطلوبة منه. كما أنه لن ينقذ الفقراء من جوع. ولن يسفر إلا عن المزيد من الآلام.
صحيح تماما، أن كورونا لا يؤذي إلا نسبة محدودة ممن يصابون به. تقديرات موثوقة تقول إن 80% ممن يتعرضون للفيروس لا يمرضون وقد لا يشعرون به من الأساس. ومن بين الـ20% الباقية لن يقضي إلا نحو 10% منهم، بمعنى أنه من بين كل 10 ملايين نسمة، من دون دفاعات، سوف يمرض 2 مليون، ومن بين هؤلاء سوف يموت 200 ألف.
هذا العدد من البشر، قد يبدو سهلا، إلا أنه ليس مزحة، والقبول به عن سابق تصميم، يعني قبولا بمجزرة، وإذا ذهبت به إلى شعوب من 50 مليون نسمة، فإنه سوف يعني مليون ضحية.
نظريا على الأقل، يجب أن تكون هناك مستشفيات تتسع لمعالجة هذا العدد من البشر لمنحهم الفرصة التي يستحقونها للحياة، دون ذلك فإن الضحايا سوف يتساقطون في الشوارع، وحتى في هذه الظروف، فإن المقابر لن تتسع للزخم، وسوف يكون الحل مأساويا بحد ذاته، وهو المدافن الجماعية، كما يحصل الآن بالفعل في نيويورك التي باغتها الوباء، أسرع مما كانت مستعدة له.
وضعٌ كهذا لن يجعل الباقين على قيد الحياة سعداء، ولن يدفعهم إلى العودة إلى أعمالهم لينجزوا ما كانوا ينجزونه وهم مفعمون بالأمل. عندما تنهار معاني الحياة وينهار الأمل، وتسقط سواتر الدفاع المشترك، فإن قيم العمل سوف تنهار أيضا.
في مواجهة وباء عابر للحدود، وفي اقتصاد عابر للحدود، يقتضي النظر إلى ما بعد الحدود. الدولة التي تختار طريق الاستسلام، يتعين أن تقبل العزلة، والعزلة لن تخدم أي اقتصاد.
عندما اندلعت الجائحة في الصين، تعثرت سلاسل الإمداد ليس لأن الصين قررت التوقف عن التصدير، بل لأن المستوردين من جانبهم ظلوا يترددون، كما تعطلت الخدمات الإدارية الملحقة بها، وهذا وضع يصعب القبول به كواقع بديل، ولسوف يستغرق الخروج منه عدة أشهر، فضلا عن أنه سوف يثير الكثير من مظاهر الاستعداء المسبق لكل من يتخلف عن الركب.
اقتصاديا، هناك حزم إنقاذ ضخمة تتجاوز 5 تريليونات دولار لإنعاش الاقتصاد العالمي. والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس يدعو صراحة إلى "طباعة المزيد من النقود"، لتسديد تكاليف الإغلاقات. وفي الواقع، فعندما يطبع الجميع نقودا إضافية، فإن الطابع التضخمي سوف يتآكل تلقائيا. كما تتآكل الديون عندما يزيد معدل النمو على كلفة خدمة الدين.
الوباء الراهن يباغت الوقت، ونحن نباغته بالوقت أيضا، إنه سريع بما يكفي لكي يؤدي بحلول نهاية هذا الشهر إلى نحو 3 ملايين مصاب في كل أرجاء العالم. ومجموع الوفيات سوف يبلغ نحو 185 ألف إنسان، وهذا أقل بكثير من استسلام 10 ملايين إنسان. وحتى بافتراض أن عدد الضحايا سوف يتضاعف في الشهر التالي، فإننا نحن الذين سوف نكسب معركة الوقت، وسيظل العدد أقل مما لو كنا 20 مليون مستسلم.
التجارب تجري، ليل نهار، على نحو 50 عقارا مختلفا، بعضها متاح من قبل، ولكن معظمها مبتكر، وهي نموذج صادق للعبقرية الإنسانية، ولقدرة العقل البشري على اجتراح المعجزات. وبحسب بعض التقديرات، فإن التجارب السريرية الجارية سوف تحتاج من 6 إلى 8 أسابيع من الآن لكي تثمر تزكية عقار أو أكثر، ويمكن للتصنيع من بعدها أن ينطلق دفعة واحدة في كل اتجاه، ولن يكسب أحد الجائزة على حساب أحد، سوف نكسبها كبشر، وكأمة واحدة.
نحن سبعة مليارات إنسان، وإذا بقيت سواتر الدفاع المشترك قائمة، فإننا سوف نرفع راية النصر في النهاية، وسوف نرفعها معا، ولن يموت أحد من الجوع، حتى أفقر الفقراء سوف يجد ما يأكل خلال الأسابيع الثمانية المقبلة. الانتعاش الاقتصادي في عالم سعيد واثق بنفسه سوف يسحق كل آثار الركود والكساد والبطالة.
أن تضع ثقتك بالعلم خير من أن تستسلم لمرض، والاقتصاد العالمي هو هكذا دائما: يوم صحو ويوم غائم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة