نموذج الإمارات أثبت أن هناك عقولا واعية وقلوبا طيبة، تسعى في طريق مزدوج؛ الأول: مواطنو ومقيمو الدولة، والثاني: الشراكة العالمية بالخارج
تقتضي أزمة كورونا التي حلت بالعالم نوعا من التفكير الجمعي الأممي القادر على مواجهة المحنة، فقد أثبتت الأزمة، ما أشرنا إليه مرارا وتكرارا، من أن البشرية دائما ما تشعر بأنها أسرة واحدة، وبخاصة عندما تحل بها النوازل كما حصل بالفعل مؤخرا.
على أن بعض النماذج، والحق يقال، وفي مقدمها النموذج الإماراتي، قد أثبتت أن هناك عقولا واعية وقلوبا طيبة، تسعى في طريق مزدوج؛ الأول: هدفه مواطنو ومقيمو الدولة في الداخل، والثاني الشراكة العالمية في الخارج.
في المقال السابق على صفحات بوابة "العين الإخبارية" الغراء، تناولنا أبعاد نهر الخير الإماراتي، ذاك الذي تدفق ولا يزال حول العالم، ولعل الإمارات ليست الدولة الأكثر ثراء بالمعايير المادية حول العالم، لكنها تبقى معين المودة الإنسانية، والنبل البشري، إنها شراكة المؤمن الحقيقي، وفلسفة البنيان المرصوص، وطريق التواد والرحمة، إنه الإيمان الصادق الذي يتحدث عن نفسه، من غير أصوات زاعقة أو رايات فاقعة، هذه هي إمارات الخير في الخارج، الرسالة التي تسعى في طريق الخيرات.
ولأن الطرح الأدبي الإنساني الأصيل يخبرنا بأن "المحبة المترتبة تبدأ بالذات"، لذا كان من الطبيعي أن يكون التركيز على الداخل الإماراتي هو الشغل الشاغل للقيادة الإماراتية طوال وقت الأزمة.
المشهد الإماراتي في الداخل، وطرائق تفكير كل من الشيخ محمد بن راشد، والشيخ محمد بن زايد، يؤكد أننا أمام قامات إنسانية ذات رؤية عالمية، من حيث البعدين الطبيعيين للبشرية، الزمان والمكان.. كيف ذلك؟
عبر تغريدة له يكتب الشيخ محمد بن راشد عن حال العالم الذي ظل حائرا متسائلا: أيهما يقود الآخر ويسبقه: السياسة أم الاقتصاد؟ أيهما العربة وأيهما الحصان؟
التساؤل منطقي وعقلاني إلى أبعد حد ومد، لا سيما أن التجربة علمت البشرية أن صحة الكائن البشري هي التي تقود كليهما مرغمين، بعد أن وقفت النظريات الأيديولوجية، ونظيرتها الاقتصادية، عاجزة عن استنقاذ البشرية، فيما العلم وحده هو من ينقذ البشرية.
المشهد الإماراتي في الداخل، وطرائق تفكير كل من الشيخ محمد بن راشد، والشيخ محمد بن زايد، يؤكدان أننا أمام قامات إنسانية ذات رؤية عالمية، من حيث البعدين الطبيعيين للبشرية، الزمان والمكان.. كيف ذلك؟
المنظور المتقدم يخبرنا كيف أن الإمارات قد عرفت طريقها إلى الرهان الصحيح، الرهان على الإنسان، وعلى تنميته، علميا قبل كل شيء، فالعلم مفتاح الحياة، والموت لا قدر الله بديل غياب ميكانيزمات العلوم الطبية والصحية.
التجربة الإماراتية تبين لنا أن الاهتمام بالعلوم يبدأ من الأرض، ويصل إلى السماء، حيث الفضاء الرحب، والذي يمكن أن يكون طريقا لارتقاء البشرية، وإن سعى البعض لعسكرته، وجعْلِه أداة من أدوات الموت.
يقطع الشيخ محمد بن زايد بأن توجيهات رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد، تضع في سلم أولوياتها صحة الإنسان الإماراتي، واستعداد الدولة لتوفير كافة ما تحتاجه أعمال المقاومة في مواجهة هذا الفيروس الشائه، وهنا فإن الأموال لا تهم، والمشروعات يمكنها أن تتأجل، أما صحة الإنسان -بحسب أبوخالد- فإنها الرهان على الحصان الحقيقي.
مبارزة فرسان الخير من القيادة الإماراتية تستدعي النظر في المكانة المتقدمة لشعب الإمارات حول العالم، وكيف يمكن لهذا النوع من النسق الإنساني أن يشارك بقوة وعمق وفاعلية مع حكماء العالم الذين علت أصواتهم الأيام القليلة الماضية على الصعيد الدولي .
في مناسبة الأعياد الدينية الأخيرة في الغرب ومع اقتراب شهر رمضان الفضيل، وجه الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريس" رسالة للعالم أجمع، دعا فيها جميع أتباع الأديان حول العالم، لتوحيد القوى باتجاه العمل على إحلال السلام في جميع أرجاء الكرة الأرضية، والتركيز على المعركة المشتركة من أجل القضاء على جائحة كورونا.
السيد جوتيريس يرى أن موسم الأعياد المتقارب يدفع البشرية والمؤمنين الحقيقيين، لا المزيفين، إلى "تجديد الإيمان بإنسانيتنا المشتركة في مواجهة جائحة كوفيد -19".
سبقت الإمارات رؤية الأمين العام للمنظمة الدولية، والتي يلفت فيها انتباه العالم إلى الفئات الضعيفة، لا سيما الموجودين في مناطق الحرب ومخيمات اللاجئين، وكذا الأحياء الفقيرة، وجميع الأماكن الأقل تجهيزا لمكافحة الفيروس.
التجربة الإماراتية، توضح لنا أن عالم الشرق لا يزال منبعا للمشاعر الإنسانية الفياضة، وهناك على الجانب الأوروبي كذلك أصوات مشابهة، رغم الآلام الكبيرة التي حلت بالقارة العجوز .
رأى بعض من قادة الدول الأوروبية أن ما يجري هو معركة حربية ضد كورونا، هذا كان رأى الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون".
لكن البعض الآخر مثل الرئيس الألماني "فرانك- فالترشتاينماير"، والذي دعا المواطنين في بلاده إلى التحلي بالصبر والانضباط والتضامن، ذهب إلى أن كورونا ليس كذلك، وإنما هو اختبار لإنسانيتنا، اختبار لابد بالضرورة أن يؤدي إلى ظهور الجانب الأفضل في كل إنسان، وإلى تحجيم وتقليص الجانب السيئ.
من بن راشد وبن زايد إلى جوتيريس وشتاينماير، يبقى السؤال الحقيق بأن يطرح: "هل كل إنسان على سطح الخليقة مدعوا في هذه الأوقات العسيرة إلى إظهار شكل من أشكال الإنسانية في مواجهة هجمات كورونا الضارية؟".
واقع الأمر يخبرنا بأننا ملزمون تحت الناموس الأدبي، وانطلاقا من الشرائع الإلهية، لا سيما التي تجمع الموحدين من مسيحيين ومسلمين ويهود، للمضي بكل السبل في طريق الدفاع عن الإنسان الذي كرمته الأديان الثلاثة، الإنسان خليفة الله في الأرض.
فيروس كورونا كما أشار الشيخ محمد بن راشد، فيروس صحي، اقتصادي، سياسي، الأمر الذي يجعل التوحد والتعاون المخرج الوحيد لمحاربة أهم عدو وحد البشرية، وعليه تصغر الخلافات جميعها، والعالم يستطيع أن يتغلب بشكل أسرع عليه، لا سيما إذا وقف القوي مع الضعيف، والغني مع الفقير .
الإمارات مصباح للحكمة من جديد في هذا الوقت العصيب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة