كورونا والاحتجاجات تقضي على سياحة الأعتاب المقدسة في العراق
مدن النجف وكربلاء وبغداد وسامراء خالية من الزوار بعدما كانت مقصدا لملايين الزوار
قضت الاحتجاجات المناهضة للحكومة وفيروس كورونا على الجزء الباقي من سياحة الأعتاب المقدسة في العراق التي انهارت تماما، وصارت مدن النجف وكربلاء وبغداد وسامراء خاوية على عروشها بعدما كانت مقصدا لملايين الزوار.
وتواجه صناعة السياحة القائمة على زيارة العتبات المقدسة صعوبات منذ سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية في إيران، التي انهارت عملتها عام 2018 بسبب العقوبات الأمريكية.
وتوقف بدر الجلاوي، مدير فندق عراقي، برهة كي يتذكر متى وصل آخر ضيف إلى مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة، والتي كانت في السابق مقصدا لملايين الزوار.
ومع انتشار فيروس كورونا فرضت السلطات حظرا على الزوار الأجانب، مما أصاب بالشلل صناعة كانت تترنح بالفعل تحت وطأة الاحتجاجات المناهضة للحكومة وأزمة اقتصادية في إيران الشيعية، التي يأتي منها في العادة 5 ملايين زائر سنويا.
وصارت الفنادق خاوية في النجف، التي يوجد بها ضريح الإمام علي، وكربلاء المجاورة وبها ضريح الإمام الحسين، وهما من أقدس بقاع العالم بالنسبة للشيعة، في حين راحت محلات الهدايا التذكارية والمطاعم تحصي خسائرها.
قال الجلاوي "توقف العمل، لم يزرنا زائر واحد منذ نحو 6 أشهر، ربما جاء نحو 5 عراقيين.. لكن لم يزرنا أي أجنبي".
وأضاف قفزت معدلات البطالة في النجف بمعدلات قياسية .
وقام الجلاوي بتسريح جميع موظفيه الـ40 باستثناء 3 منهم في مكتب الاستقبال ذي الإضاءة المنخفضة.
وقال صائب راضي أبوغانم، رئيس جمعية الفنادق والمطاعم المحلية، إن نحو 4 آلاف شخص يعملون في قطاع الضيافة أصبحوا عاطلين في النجف، لأن معدل الإشغال في 350 فندقا تضم 40 ألف سرير هو في واقع الأمر "صفر".
وكان آخر ضيف وصل إليه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة وأغلقت الطرق.
وأثارت الأخبار عن مقتل 500 محتج مخاوف كثيرين من إيران والخليج وباكستان ولبنان ودول أخرى مبعدة إياهم.
وقد تؤدي زيادة البطالة إلى تأجيج الاحتجاجات، التي تحركها شكاوى الكثير من العراقيين من الفساد وسوء الإدارة ونقص الخدمات الأساسية على الرغم من ثروة العراق النفطية.
ولا يزال الزوار العراقيون يأتون ولكن في رحلات يومية في كثير من الأحيان، مما يعود بنفع زهيد على الاقتصاد.
وأغلقت الكثير من المتاجر في الشوارع الضيقة حول الضريح أبوابها، أما المتاجر المفتوحة فلا نشاط يذكر فيها.
وتفاقمت الأزمة بفعل الفراغ السياسي في العراق، وتنحى عادل عبدالمهدي القائم بأعمال رئيس الحكومة، الإثنين، وذلك بعد يوم واحد من سحب رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي ترشحه للمنصب.
وقال الجلاوي "هذا فيروس كورونا ثانٍ ولا توجد دولة ولا رئيس للوزراء".
وأضاف "لدي مصاريف شهرية قدرها 10 آلاف دولار كهرباء وضرائب ومياه. يجب أن نحصل على إعفاءات".
وقال عمار سعدون الذي يعمل خياطا "كانت النجف دائما مقصدا للزوار لكن لم يعد لدي عمل يذكر أقوم به الآن".
وكان يدير متجرا من غرفة واحدة منذ 40 عاما، لكن الأعمال نادرا ما كانت سيئة مثلما صار إليه الحال الآن، ولا حتى في عهد صدام حسين، الذي كان يقمع الشيعة وأطاح به غزو قادته الولايات المتحدة عام 2003.
أزمة
والسياحة صناعة رئيسية ليس في النجف فحسب، بل في كربلاء وبغداد وسامراء، التي توجد بها مزارات وأماكن عبادة شيعية.
وقال أبوغانم إن أكثر من 10 ملايين شخص كانوا يصلون سنويا إلى النجف وحدها، نصفهم من الإيرانيين، وكان يتم حجز الفنادق عادة في هذا الوقت من العام الذي يتزامن مع عطلات مدرسية في بعض دول الخليج.
وتواجه صناعة السياحة القائمة على زيارة العتبات المقدسة صعوبات منذ سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية في إيران، التي انهارت عملتها عام 2018 بسبب العقوبات الأمريكية.
ولا يزال هناك فندق واحد يعمل، وهو فندق قصر الدر من فئة النجوم الخمس، حيث يشغل الزوار الكويتيون نحو 120 من غرفه البالغ عددها 420 غرفة.
ويقيم هؤلاء الزوار في الفندق إلى حين تتوصل سفارتهم إلى طريقة لإعادتهم، كما يقوم طبيب بفحصهم بشكل مستمر.
وقال محمد جاسر وهو زائر كويتي "لم تعد هناك رحلات جوية، لذا لا نعرف متى نستطيع العودة إلى بلادنا".
وبمجرد رحيلهم، يفكر مالك الفندق نوري نور في إغلاق أبوابه وتسريح موظفيه الـ60 الذين يرتدون الكمامات.
وقال نور "ربما أغلق الفندق في غضون أسبوع أو نحو ذلك".
وتفحص السلطات المسافرين غير المقيمين عند حواجز الطرق المؤدية إلى النجف وكربلاء، التي ألغت صلاة الجمعة لأول مرة منذ عام 2003.
لكن زوارا كثيرين لا يردعهم رادع، فلا يرتدي سوى عدد قليل منهم الكمامات ويقبل كثيرون ضريح الإمام علي.
وقال زائر يدعى سعيد الموسوي وهو رئيس مجموعة من مدينة البصرة الجنوبية يبلغ من العمر 67 عاما "جئت إلى هنا أكثر من ألف مرة"، مضيفا "الله يحفظنا فلماذا أخاف؟".