الحجر الصحي.. تاريخ من العزل بدأ في إيطاليا
في الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن فرض الحجر الصحي بصورة موسعة أمر غير مسبوق فإن التاريخ يكشف استخدامه قبل قرون لوقف انتشار فيروس مميت
الحجر الصحي مصطلح يعني فترة عزل وقائية تفرض على الأشخاص المصابين بمرض معدٍ، وحاليا يخضع الملايين في عشرات الدول للحجر الصحي بهدف السيطرة على تفشي فيروس كورونا الجديد.
وكلمة حجر صحي بالإنجليزية quarantine مشتقة من الكلمة الفرنسية quarantaine التي تعني "حوالي 40"، وفقا لقاموس ميريام وبستر، واستخدمت الكلمة لأول مرة في الإنجليزية عام 1617، للإشارة إلى سفينة اشتبه في أنها تحمل فيروسا مميتا، وتم عزلها قبالة الشاطئ لمدة 40 يوما.
في الصين، وضعت السلطات المعنية أكثر من 50 مليون شخص بمقاطعة هوبي في العزل، بعدما تفشى فيروس كورونا المعروف علميا باسم "كوفيد-19".
أيضا في إيطاليا، وضعت الحكومة أكثر من 11 بلدة تحت الحجر الصحي بعد تفشي الفيروس الوبائي. بالمثل فرضت السلطات في الولايات المتحدة الحجر الصحي على الأشخاص الذين تسببوا في نقل العدوى لمرضى في إحدى دور الرعاية في سياتل.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن فرض الجحر الصحي بصورة موسعة أمر غير مسبوق، فإنه تاريخيا لا تعد هذه المرة الأولى التي يوظف فيها لوقف انتشار فيروس مميت أو وباء قاتل.
حسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، تعكس كلمة الحجر الصحي تاريخا قاتما ومعقدا يعود إلى العصور الوسطى، واستعرضت جانبا من تاريخه.
طاعون البندقية
في القرن الرابع عشر استخدم الحجر الصحي بصورة مؤسسية لأول مرة، بعد تفشي الطاعون الدبلي أو "الموت الأسود" كما كان يطلق عليه، والذي دمر أوروبا في الفترة من عام 1347 حتى 1352، وقتل ما يقدر بنحو 20 مليونا.
عندما بدأ الطاعون في الانتشار عام 1347 بمدينة البندقية في إيطاليا، بدأت الموانئ بإرجاع السفن المشتبه في قدومها من مناطق مصابة. وبعد مرور عام أصبحت السلطات في البندقية أول من يضفي الطابع الرسمي على إجراء الحجر الصحي الوقائي، وأغلقت الموانئ وأخضعت المسافرين والسفن إلى فترة عزل وصلت إلى 40 يوما.
الحمى الصفراء في فيلادلفيا
في القرن الثامن عشر، أصبحت الوقاية من الأمراض المعدية تندرج تحت الولاية القضائية والمحلية في الولايات المتحدة، نتيجة اجتياح وباء الحمى الصفراء فيلادلفيا عام 1793 وقتله 5 آلاف شخص.
وأقامت المدينة مركز حجر صحي على مساحة 10 أفدنة أطلقت عليه اسم Lazaretto. لكن مع استمرار تفشي الحمى الصفراء، تدخل الكونجرس الأمريكي ومرر قانون الحجر الصحي الوطني عام 1878.
ولم يتداخل القانون مع حقوق الولايات الأمريكية، لكنه مهد الطريق لمشاركة الحكومة الفيدرالية في الأنشطة المتعلقة بالحجر الصحي. وبحلول عام 1921 جرى تأميم نظام الحجر الصحي بصورة كاملة.
عزل الصينيين في أمريكا
في مارس/آذار 1900، أصيب أحد الصينيبن في الحي الصيني بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية بالطاعون الدبلي، وفرضت السلطات الحجر الصحي على 25 ألف مواطن صيني، وأغلقت جميع الأنشطة التجارية التي يمتلكها أشخاص ليسوا أصحاب بشرة بيضاء. لكن بعد عام، صدر حكم وصف ما حدث بالعنصرية وبناء عليه تم إنهاء الحجر الصحي.
الطاعون الدبلي في جنوب أفريقيا
عندما تفشى وباء الطاعون الدبلي في كيب تاون بجنوب أفريقيا عام 1901، تم عزل كل الشعب الأفريقي في المدينة تقريبا داخل مخيم حجر صحي.
مرض تناسلي في أمريكا
خلال الحرب العالمية الأولى عام 1917، علم المسؤولون الفيدراليون في الولايات المتحدة أن نسبة كبيرة من الجنود أصيبوا بمرض الزهري أو السيلان، لذا اعتقلت السلطات آنذاك 20 ألف سيدة تقريبا معظمهن كن مصابات بأمراض تناسلية، وتم عزلهن دون أي اتهام رسمي بارتكاب جرائم.
وكان معظم هؤلاء السيدات يعملن في البغاء أو فتيات مارسن الجنس مع الجنود مقابل الحصول على وجبات. ويقال إنهن تعرضن لمعاملة مهينة جدا وتمت إحاطة مركز الحجر الصحي اللاتي مكثن به بأسلاك شائكة وحرس، كما كان يتم إجبارهن على الخضوع لإجراءات طبية مهينة.
مراكز السيطرة على الأمراض الأمريكية
حولت وزارة الصحة الأمريكية مسؤوليات الحجر الصحي إلى المركز الوطني للأمراض السارية، الذي يعرف الآن بمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وبمجرد توليها زمام الأمور، أصبحت مراكز الحجر الصحي موجودة في كل ميناء ومطار دولي وحدود برية رئيسية.
وفي السبعينيات، خفضت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها عدد مراكز الحجر الصحي من 55 إلى 8 فقط، ظنا منها أن الأمراض المعدية أصبحت شيئا من الماضي. لكن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، عادت المخاوف من الإرهاب البيولوجي، ثم جاء تفشي فيروس السارس عام 2003 وتم رفع مراكز الحجر الصحي إلى 20 آنذاك.
يعتبر الحجر الصحي الاستجابة الأكثر عدوانية التي تحاول بها الحكومة السيطرة على تفشي وباء ما. ورغم أن الممارسة ربما تكون فعالة في تجنب انتشار الأوبئة، فإن التاريخ يشير إلى أنه عادة ما يتم بها استهداف الجماعات المهمشة، وفقا لشبكة "سي إن إن".
اليوم، لا يوجد حجر صحي حكومي ورسمي لمدينة كاملة كما حدث منذ 120 عاما، لكن وسط المخاوف من تفشي فيروس كورونا الجديد، أصبحت الأنشطة التجارية الصينية من مطاعم ومحلات وغيرها تعاني كثيرا من انخفاض الطلب سواء في الولايات المتحدة أو دول أخرى، اعتقادا أن الصين هي مصدر الفيروس الرئيسي.