وزير الثقافة الليبي لـ"العين الإخبارية": الإبداع لم يتأثر بظروف الحروب في بلدنا
جمعة الفاخري شاعر وقاص وصحفي ومذيع وإذاعي، وباحث في المأثور الشعبي، من مواليد 1966 في أجدابيا، وعمل رئيسا لتحرير "المأثور الشعبي".
أكد جمعة الفاخري، وزير الثقافة والمجتمع المدني بالحكومة الليبية المؤقتة، أن الثقافة لن تكون أولوية في ميزانيات أي حكومة، لافتاً الى أن المشهد الإبداعي الليبي لم يتوقف عن التدفق شعراً ونثراً وسرداً ونقداً، ولم يتأثر سلباً بظروف الحروب في البلاد.
وعبّر الفاخري في حوار لـ"العين الإخبارية" عن شعوره بصعوبة تجربة الوزراة قائلاً: "بعد قبولي المهمة صدمت بالواقع، وبحالة الانقسام المهولة بين أبناء ليبيا، وبين المبدعين أنفسهم، وشبح الحروب والفتن، وقلة الإمكانات، أيقنت أنني تورطت، أقحمت لأكون رباناً يمكنه إنقاذ سفينة تغرق في عرض محيط هادر".
جمعة الفاخري شاعر وقاص وصحفي ومذيع وإذاعي، وباحث في المأثور الشعبي، من مواليد 1966 في أجدابيا، وعمل رئيساً لتحرير صحيفة المأثور الشعبي، ومستشاراً ثقافياً للرابطة العربية للقصة القصيرة جداً.
أعد الفاخري وقدم عدداً من البرامج للتلفزيون الليبي، وصدرت له العديد من الأعمال منها "صفر على شمال الحب" قصص، و"امرأة مترامية الأطراف"، وقصص"رماد السنوات المحترقة"، وفي الشعر "اعترافات شرقي معاصر"، و"حدث في مثل هذا القلب" وغيرها.
وإلى نص الحوار..
ألا ترى أن توليكم حقيبة وزارة الثقافة في الوقت الحالي عمل محفوف بالمخاطر والتحديات؟
نعم؛ أوافقك.. فعند ترشيحي لهذا المنصب استبشر الوسط الثقافي خيراً، فأنا ابن هذا الوسط، وقد جئتُ مُحَمَّلاً بكثيرٍ منَ المشروعاتِ الطَّموحةِ، وكثيرٍ من الأملِ لتنشيطِ المشهدِ الإبداعيِ، وإنعاشِ الحياةِ الثقافيَّةِ في ليبيا، لكنِّي صُدِمْتُ بالواقعِ، بحالَةِ الانقساِم المهولَةِ بينَ أبناءِ ليبيا، وبينَ المبدعينَ أنفسِهم، وشبحِ الحروبِ والفتنِ، وقلَّةِ الإمكاناتِ، أيقنتُ أنني تورَّطتُ، أُقحمْتُ لأكونَ ربَّاناً يمكنُهُ إنقاذ سفينَةٍ تغرقُ في عرضِ محيطٍ هادرٍ.
هذا ليس عجزاً مني، لكن الظروف أقوى سطوةً، وقد يكون المرء رجلاً مناسبًا، في مكانٍ مناسبٍ، لكن إذا كان الزمنُ غيرَ مناسبٍ فلا يمكنُهُ أن يحقِّقَ ما كانَ يرغبُ تحقيقه كما اشتهاه، وهذا – ضبطاً – ما حدث معي.
وقد لا أكونُ الرجلَ المناسبَ، لكنَّ الظروفَ القاسيةَ التي خلقتْهَا الحربُ والانقسَامُ، لا تتيحُ لأحدٍ أن ينجحَ نجاحاً مشهوداً كما ينبغي، في أيِّ قطاعٍ من قطاعاتِ الدَّولَةِ، لا سيما أن الثقافَةَ لكي تنتعشَ تحتاجُ إلى مناخٍ مستقر، وإلى بلدٍ آمنٍ مطمئن لتزدهرَ، وإلى إمكاناتٍ كبيرةٍ لم يتوفَّرْ لنا أقلُّهَا بسببِ شحِّ المواردِ المادِّيَّةِ، فأثناءَ الأزماتِ قد يكونُ الصرفُ على الثقافة بذخاً، في مقابل ضروراتٍ أخرى ملحَّةٍ كتوفيرِ الخبزِ والدَّواءِ والكهرباءِ ومعاشاتِ المواطنينِ، والدِّراسَةِ، والأمنِ بالطبعِ.
وفي مواجهة راهن مأسوي كهذا، لن تكونَ الثقافَةُ أولوية في الإنفاق لأي حكومة. ومعَ كل هذه المختنقات فقد نجحنا في تنشيطِ المشهدِ الثقافي، وإحياءِ مهرجاناتٍ ثقافية في مدنٍ وقرى لم تحلم يوماً بأن يكونَ لها مهرجانٌ ثقافيٌّ، وبعضُها لم يزرْهَا مسؤولُ ثقافَةٍ منذُ إنشائِهَا، خلالَ هذا العامِ أقمَنَا أكثرَ من عشرةِ مهرجاناتٍ ثقافيَّةٍ في شرقِ ووسطِ وجنوبِ ليبيا.
ماذا قدَّمت للهيئة العامة للإعلام والثقافة والمجتمع المدني منذ توليت المسؤولية؟
أنا أبذلُ جهدي من أجلِ تحقيقِ الأهدافِ والغاياتِ التي أُنشئِتْ من أجلِها هيئة الإعلامِ والثقافة، وتعينني في ذلكَ منظومَة إدارية فيها كثير منَ الخبراتِ الثقافيَّةِ والإعلاميَّةِ والإبداعيَّةِ، ومكاتبِ للإعلامِ والثقافةِ في البلدياتِ تؤدِّي دورَهَا كما ينبغي وفقَ ما يتوفَّرُ لها من إمكانات.
-كيف تقيِّم المشهدَ الشعريَّ والثقافيَّ الليبيَّ حاليًّا؟
لا بأسَ؛ المشهدُ الإبداعيٌّ الليبيُّ لم يتوقَّفْ عنِ التدفِّقِ شعرًا ونثرًا وسردًا ونقدًا، لم يتأثرْ سلبًا بظروفِ الحروبِ، والانقساماتِ والاختلافاتِ. والمبدعونَ يقومونَ بدورهم في تأثيث المشهدِ الإبداعيِّ بإبداعاتهم، ومساهمتهم الفاعلة في إنعاشِهِ وتنشيطهِ.
-بعد الثورة في ليبيا.. ما موقع المثقف من السلطة؟
المثقفُ مواطنٌ، وليسَ بإمكانِهِ أن يعيشَ بمعزلٍ عنِ السَّلطةِ في بلدِهِ، فهو معنيٌّ بها كمواطنٍ وكمبدعٍ. بعضُ المثقفينَ يقودونَ الحراكَينِ الثقافيَّ والسَّياسيَّ، وكثيرونَ منهم ينشطونَ من خلالِ منظمَاتِ المجتمعِ المدنيِّ، وبعضُهُم ينابزُ السُّلطَةَ مُعَارِضًا أو مناوئًا، وبعضُهُم ينحازُ لفئةٍ على حسابِ أخرى، وفقًا للأهواءِ السَياسيَّةِ أو المناطقيَّةِ أو الجهويَّةِ التي ينتمي لها، وهذا يحدثُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
وهناك قلَّةٌ قليلةٌ تبتعدُ عنِ التَّجاذباتِ السَّياسيَّةِ، وتنحازُ للإبداعِ فحسبُ، وتنأى بأقلامِهَا عنِ الخوضِ في الخلافاتِ والاختلافاتِ، لكنَّ المثقفَ الحقيقيَّ يبرزُ في مثلِ هذهِ المنعطفاتِ التَّاريخيَّةِ الخطرةِ، ويسهِمٌ في إخمادِ نيرانِ الفِتَنِ، والسَّعيِّ للمصالحَةِ بينَ أبناءِ الوطنِ الواحدِ، ورأبِ تصدُّعَاتِ المجتمعِ النَّاتجةِ عنِ ارتداداتِ زلازلِ الحروبِ الفظيعَةِ المفجعَةِ.
-صدر لك العديد من الأعمال المختلفة كيف ترى رحلتك الأدبية؟
تلكَ الرِّحلةُ شاقةٌ شائقةٌ، مرصوفةٌ بالطُّموحاتِ الكِبَارِ، وبالأحلامِ الشَّاهقةِ، مُعَبَّدَةٌ بالصَّبرِ والكدحِ والإصرارِ والمثابرَةِ، والحمدُ اللهِ كَانَ مُنتهَاهَا مُدْهشًا، وخِتامُهَا نجاحاتٍ مرضيَةً. كانت رحلَةً شائقةً، لعلَّ أجملَ ما فيها أنها قدَّمَتني للجمهورِ.
حدثنا عن الشرارات الأولى، من الذي جاء بك إلى الشعر، ومن أغراك بالقصيدة؟
الشِّعرُ نفسُه كان الشَّرارَةَ، يحتلُّ أعماقَنَا ثمَّ يعلنُ عن حرائقِهِ المهولَةِ ويُحيلُ حياتَنَا إلى فردوسٍ مشتعلٍ. إِنَّهُ محرَّقَةٌ تندلع من أعماقُ الشَّاعر، وحطبُهَا أعصابُهُ، وبخورُهَا مشاعرُهُ وأحاسيسُهُ.
أما القصيدةُ فهيَ ذاتُهَا الإغراءُ، هي الصَّيدُ والمصيدُ. ودونَ وعيٍ منَّا، دونَ عناءٍ، ولا تفكيرٍ نجدُ أنفسَنَا أسرَى لها.
-كيفَ تنظرُ إلى الشِّعرِ العربيِّ، حاضره ومستقبله؟
الشِّعرُ العربيُّ لا يزالُ يملكُ فتنتَه وإدهاشَه، ويحتفظُ بجمهورِهِ الكبيرِ، ولا تزالُ سطوةُ القِصَّةِ القصيرةِ حاضرَةً بقوَّةٍ في المشهدِ الثقافيِّ العربيِّ على الرُّغمِ منَ الاجتياحِ الفَادحِ للرِّوايَةِ للمشهدِ ذاتِهِ. والشِّعرُ حاضرُهُ مزدهرٌ أيضاً، وسيكونُ مستقبلُهُ مزهرًا بإذنِ اللهِ تعالى.
-في رأيك هل تراجع الشعر في مواجهة السرد ولماذا؟
لا أرى تراجعاً للشِّعرِ على حِسَابِ السَّردِ؛ فالاثنانِ لا يزالانِ رائجينِ، ولكلٍّ جمهورُهُ ومتتبعوهُ ومريدوهُ، وأعترضُ على عبارة (في مواجهة) فهما يتكاملانِ ولا يتواجهانِ، فكثيرٌ منَ السِّردِ يغشُّ لبنَهُ بماءِ الشِّعرِ العَذبِ.
-قصيدة النثر متهمة بمخاصمة الجمهور، والابتعاد بالشعر عن الواقع وقضايا الشارع؟ وكيف يعود الشعر فنا جماهيريا كما كان؟
لا أجـــزمُ بهــذهِ الفــرضيةِ، فلقصيــدةِ النَّثرِ جمهــورُهَا النَّخبويُّ المفتونُ بها، وهيَ لا تبتعِدُ عنِ الواقعِ إلَّا بمجَازَاتِها العاليَةِ، واستعارَاتِها المجنَّحَةِ، لكنَّ التقاطاتِهَا - غالبًا - هي منَ الواقعِ، من همومِ النَّاسِ، ومتاعِبِهِم وانشغالاتِهم.. وإن كانَ ثَّمةَ ترفُّعٌ عن تلمُّسِ قضايا النَّاسِ؛ فهذا عندَ قِلَّةٍ قليلةٍ من شعراءِ قصيدَةِ النَّثرِ، ولا يمكنُنَا التَّعميمُ. ولا يزالُ الشِّعرُ فِنًّا جماهيريًّا، أعني لا يزالُ ديوان العربِ الأوَّلَ، ولا يزالُ جمهورُهُ الوفيُّ يعشَّقُهُ، ويتعاطَاهُ، ويجدُ وقتًا له قراءةً وحضورًا واستماعًا.
aXA6IDMuMTM1LjIwNS4yMzEg جزيرة ام اند امز