مؤخرا بعث المجلس الأميركي-الإيراني الوطني (NIAC) برسالة من 42 صفحة موقعة من أكثر من 60 باحثا إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بعنوان "زيادة الانفتاح على إيران بحده الأعلى.
إيران خلقت بعبع داعش أو أسهمت في خلقه، والآن حان الوقت لتقدم نفسها في صورة المنقذ الوحيد منه
سبق أن تحدثت عن أن داعش وطهران يتبادلان شعارات العداء ويزعم كل منهما مقاتلة الآخر، وإذا ما تجاوزنا تلك المزاعم وجدنا أن تنظيم "داعش" يقدم خدمات جليلة للمشروع التدميري والتوسعي الإيراني في المنطقة، ولعل ما يحدث في المناطق السنية في العراق على وجه التحديد خير شاهد وبرهان على ذلك.
الآن سوف أسعى لمناقشة هذا الخدمات الجليلة التي يقدمها تنظيم "داعش" لإيران، ولكن في الغرب، والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص. من يتتبع موقف النظام الإيراني من الثورة السورية يجد أن طهران بجلها وجليلها وقضها وقضيضها قد وصفت تلك الثورة بأنها "مؤامرة صهيو-أميركية" تستهدف محور الممانعة، لحماية حدود إسرائيل من المقاومة "المزعومة". إلا أن هذا الموقف قد تغير بعد الاتفاق المبدئي بين إيران ومجموعة "5+1" حول البرنامج النووي الإيراني في عام 2013. منذ ذلك الحين تركز إيران على أن الإرهاب يستهدف سورية، وأنها تعمل على محاربته ومحاصرته. بعبارة أكثر وضوحا، تحولت طهران من إلقاء اللوم على "قوى الاستكبار العالمي" والمخططات "الصهيو-أميركية"، إلى العزف على نغمة "الإرهاب العالمي" التي تتوافق وهواجس القوى العظمى، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، تجاه الأحداث في المنطقة، ولم تتردد طهران في اتهام الدول السنية في المنطقة -بخاصة المملكة العربية السعودية- بدعم تنظيم "داعش" والوقوف خلفه.
ليس هذا الأهم، بل إنه ليس مستغربا أن يروج الإعلام الإيراني مثل هذه المزاعم التي تخدم مشروعه وتظهر البراغماتية الكبيرة لدى النظام الإيراني عند تغير مصالحه. لكن أن يظهر ذلك ويروج له في وسائل الإعلام الغربية ومراكز الفكر مجموعة هربت من إيران بسبب الاضطهاد والقيود وحصلت على الجنسية الأميركية، فهذا يثير كثيرا من الدهشة.
مؤخرا بعث المجلس الأميركي-الإيراني الوطني (NIAC) برسالة من 42 صفحة موقعة من أكثر من 60 باحثا إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بعنوان "زيادة الانفتاح على إيران بحده الأعلى: كيف يمكن للرئيس ترامب تأمين المصالح الأميركية في الشرق الأوسط". قرأت الرسالة بشكل كامل ومتأن، واستوقفني كثير من النقاط الواردة في الرسالة لعلي أعود إلى بعضها لاحقا، لكن ما يهمنا هنا هو كيف أن رسالة اللوبي الإيراني ركزت في سبعة من فصولها الثمانية على ضرورة تعاون واشنطن مع طهران للقضاء على "داعش"، بل إنه حتى المناطق التي تطرقوا إليها ولم يظهر فيها "داعش" بشكل واضح حتى اللحظة قالوا إن من المهم التعاون بين البلدين (أميركا وإيران) لكي لا يظهر "داعش" في تلك المناطق.
تجاهل "ناياك" حقيقة تبدد كل مزاعمه حول هذا الدفع الهائل تجاه تقريب ترامب إلى خط أوباما، هي أن النظام الإيراني مصنف كدولة راعية للإرهاب، ومفروض عليها عقوبات بهذا الشأن، وأن "داعش" لم يشكل خطرا حقيقيا على إيران أو مصالحها في المنطقة، بل يقدم خدمة جليلة لم يستطع الحرس الثوري تحقيقها، وأن البغدادي خدم مشروعات إيران في المنطقة العربية أكثر من قاسم سليماني. لقد أصبح المجلس الأميركي الإيراني الوطني -الذي يفترض أن تكون مهمته الأولى خدمة الجالية الإيرانية المهاجرة إلى أميركا- تابعا ومؤيدا لنظام ولاية الفقيه، ويقدم مصلحته على مصلحة الولايات المتحدة الأميركية التي يحمل أعضاؤه جنسيتها.
إن تشديد النظام الإيراني من جانب، ورسالة اللوبي الإيراني في واشنطن من جانب آخر، على أن نقطة الالتقاء بين واشنطن وطهران تكمن في محاربة تنظيم "داعش"، يقوي الشكوك حول ارتباط هذا التنظيم بالمشروع الإيراني في المنطقة، وجعله وسيلة لتحسين صورة النظام الإيراني في الغرب تحت مزاعم التعاون مع تلك الدول لمحاربته.
يبدو أن إيران خلقت بعبع "داعش" أو أسهمت في خلقه، والآن حان الوقت لتقدم نفسها في صورة المنقذ الوحيد منه. باختصار شديد: يتضح من ذلك كله أن إيران تشعل الحرائق ثم تقدم نفسها لاحقا كأفضل الخيارات لإطفائها!
*نقلا عن الوطن السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة