"هندباء".. حياة المرأة الفلسطينية بين فقر المخيمات وأمل المستقبل
رشا فرحات صحفية، وكاتبة قصة، صدرت لها 3 مجموعات قصصية في الأعوام الماضية، سلطت الضوء خلالها على واقع الفلسطيني وحياته
المرأة الفلسطينية المقهورة والفقيرة والمغلوب على أمرها كانت الموضوع والثيمة الرئيسية لمجموعة "هندباء" القصصية الصادرة حديثا للكاتبة الفلسطينية رشا فرحات، والتي تغوص من خلالها في واقع حياة المخيمات والمستقبل الغامض والتاريخ البعيد لحق العودة والقرى القديمة المدمرة.
صدرت المجموعة عن دار "خطى" للنشر في غزة، وتفتح فرحات من خلالها صناديق الذاكرة القديمة، وعيناها تتطلعان على الحاضر الصعب.
تضم "هندباء" 30 قصة أغلبها عن المرأة الفلسطينية المقهورة، والفقيرة، والمغلوب على أمرها، وعن المخيم الذي تغير ليتحول إلى مداخل مدن كبيرة، ينصهر فيها اللاجئ مع النصير، ليصعد سؤال المصير إلى الواجهة، عن حق العودة والقرى البعيدة المدمرة.
تكشف الكاتبة عن حياة البؤس والقهر التي يعيشها سكان قطاع غزة، الذين اضطر بعضهم للتنقيب عن لقمة العيش في حاويات القمامة، وعيش البعض في حجر لا تنتمي إلى مساكن الناس المعروفة، سقوفها من الصفيح وجدرانها من ثقوب تتحول بعد حين إلى عشاش للأفاعي والحاردين والفئران الضالة.
تقول رشا فرحات لـ"العين الإخبارية": "أنا متحيزة للمرأة وللمخيم، وأقف بوجه الفقر والتهميش والحروب والحصار، وسلاح مواجهتي القلم، والكتابة عندي ليست رفاهية، ولكن ما يسبق كتابتي هو وصولي إلى قمة الألم تجاه ما يجري في واقعنا، أخزن صور الوجع للكتابة عنها، فالكاتب ابن بيئته وظروفه، وانعكاس حقيقي لما يعيشه".
وترى فرحات أنه على الرغم من جودة الواقع الثقافي في غزة فإن ما تخشاه أن يتحول إلى تجارة هدفها الربح وليس الإبداع والكفاءة.
في مجموعتها القصصية "هندباء" تلقي الكاتبة الضوء على ماضي الشعب الفلسطيني وحياة المخيم واللجوء بعد نكبة 1948، ونكسة 1967، وعلى الرغم من أوجاع تلك الفترة فإنها تجدها أفضل من هذه الأيام، من ناحية التعاضد والتعاطف والعلاقات الإنسانية بين الناس، بينما ترى في اللون الأزرق، الذي اعتمدته وكالة "غوث" لتشغيل اللاجئين لوناً لوجودها، دلالة على العيش المؤقت الذي سيأتي من بعده عيشٌ دائم يتحقق بالعودة إلى الوطن المغتصب.
ولدت الكاتبة رشا فرحات في المملكة العربية السعودية، وعادت إلى جزء من وطنها الأصلي، قطاع غزة، بعد اتفاقية أوسلو. لم تنس إجراء مقارنة بين الماضي الذي كانت تعيشه من خلال زياراتها القصيرة لبيت جدتها في المخيم، وحياتها الدائمة في غزة بعد عودتها من الغربة، والغلبة كانت لماضٍ عاشته مع الأب المكافح والمثابر، والعمة الصابرة والصامدة.
نقلت فرحات صوراً عن فقر الناس في تلك الحقبة وشدة العوز الذي عاشوه بعد النزوح، كقصة "العم سفيان" صاحب صندوق العجائب الذي كان يقضي يومه كله على قدميه جوالاً ببضع صور وصندوق محمول على كتفه، وسعاله يوقظ أهل الحي كلما اشتد عليه ليعود إلى بيته ببضعة قروش لا تكفي للخبز الحاف.
وأيضا هناك "الشيخ عبدالله" الذي انتحر من القهر، والعمة التي ماتت كمداً في غربتها على أولادها الذين يبعدون عنها كيلومترات قليلة، لأنها تسكن سيناء وهم في غزة ولا تستطيع الوصول إليهم، وقصة الأب الذي استسلم لليأس والإحباط، فعزل نفسه بنوم طويل ليترك لابنه مسؤولية الأسرة.
رشا فرحات لم تغفل العادات الجميلة التي نُسيت أو لم تعد موجودة بحكم الحداثة والتطور التكنولوجي، كحمل فتيات المخيم لـ"فرش العجين" دون أن يمسكنه باليدين، وحمل جرار الماء بالمثل ولباس الفتيات في ذاك الزمن الذي تراه جميلاً ونقياً. تتذكر فرحات "إبريق" عمتها الذي يملأ بالماء ويرش بعد مغادرة الضيوف القادمين من سفر بعيد، لكي يعودوا في السنة المقبلة، وحكايات الجدة تحت ضوء القمر في باحة بيت المخيم الصغيرة وغيرها من عادات انقرضت، وتحولت إلى مجرد قصص وحكايات.
المرأة في المجموعة القصصية احتلت مكانة واسعة حتى عنوانها استمدته الكاتبة من اسم فتاة يقال لها "هندباء"، والهندباء نبتة مهمشة ومجهولة، تنبت وحدها، وشكلها لا يوحي بطعمها اللذيذ ولا قيمتها الغذائية، والفتاة الفقيرة هي ذلك الكائن المعوز والمهمش والمعزول بقهره، الطفلة التي كانت محط سخرية زميلاتها في المدرسة، وتحت قبضة الفقر في الحياة، إن ماتت لا أحد يسأل عنها، وإن عاشت كانت مجال تسلية وفاكهة مجالس، فالقصة إن عممت تصلح أن تكون دلالة على واقع الشعب الفلسطيني الحالي الذي تم تهميشه وموته لا يعني أحدا، وحضوره مجال حيوي لقلة الحيلة.
في المجموعة القصصية، تجد المرأة الممنوع عنها اختيار زوجها، وتلك التي يغتصبها زوجها بقسوة ويسيء معاملتها لدرجة لا تطاق، وتجد الأهل الذين لا يناصرون ابنتهم المتزوجة، لفقر وعجز عن تحمل مصاريف عيشها إذا تم الطلاق.
المرأة في المجموعة القصصية مسلوبة الحقوق، منزوعة الإرادة، مهانة ومكسورة، وصورة واحدة وحيدة أوردتها لامرأة موظفة ومتعلمة ولكنها مهملة في شؤون بيتها على حساب عملها وموهبتها في الكتابة، فتضطر إلى تشغيل امرأة فقيرة وابنتها الصغيرة في بيتها لتنظيفه لتفتح جدالاً حول الطرفين ودور المرأة الأساسي في الحياة: "صوت الفقر الذي ينظف ويربي من الداخل، أم صوت الغنى والمظاهر الباذخة التي تصدر تعليماتها ونصائحها نظرياً للمجتمع؟".
في مجموعة رشا فرحات القصصية، الوطنية والانتماء إلى فلسطين والتضحيات من شهداء وأسرى ومنفى وهوية وقلق وجود حاضرة بقوة، فالكاتبة منتمية إلى وطنها، لأنها حرمت منه على مدار عقود وعادت إليه بشوق كبير ورغم ما فيه من أزمات ثقال، فإنها تتمسك به وترفض مغادرته تحت أي ظرف.
يذكر أن رشا فرحات صحفية في مؤسسة الرسالة الإعلامية، وكاتبة قصة، صدرت لها 3 مجموعات في الأعوام الماضية، سلطت الضوء خلالها على واقع الفلسطيني وحياته وسيرته مع الحياة، تناهض الحرب وتنتصر للمرأة وتطالب بحل أزمة البطالة لمحاصرة الفقر، وتنشط مجتمعياً في دعم ومؤازرة القضايا الخاصة بالمرأة والطفل والشباب.