وجود جيش نظامي ذي تدريب عالٍ وغطاء جوي يكفي لهزيمة التنظيم، لولا أن العديد من الأطراف استفادت من وجود هذا الكيان.
تحدَّث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب "حالة الاتحاد" الأول له عن المنجزات التي نفذتها إدارته في سنتها الأولى، وكانت هزيمة "داعش" أول نقطة ذكرها عند تطرقه لإنجازات سياسته الخارجية، وعبّر ترامب عن فخره بإعلانه تحرير ما يقارب نسبة 100% من الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم "داعش" في سوريا والعراق ضمن جهود التحالف الدولي.
أرجع الديمقراطيون هذا النصر إلى الاستراتيجية التي وضعتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما؛ على اعتبار أن ترامب قطف الثمار التي زرعها أوباما، والحقيقة أنه تعجّل القِطاف وأسرع الخطى لنيل هذا النصر في رصيده، ولكن تجب الإشارة إلى أن هذا التحالف ضم العديد من الدول العازمة على دحر التطرف، وشاركت بفعالية في هزيمة "داعش"؛ كدولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، والأردن، بالإضافة إلى مشاركة ميدانية من قوات سوريا الديمقراطية على الجانب السوري في الرقة، والجيش العراقي الذي قاده العبادي على الجانب العراقي في الموصل.
من الناحية النظرية سقوط دولة البغدادي لم يكن سوى مسألة وقت، على الرغم من البروباجندا الوحشية التي تُظهر "داعش" في موضع القوة وإعلان دولته عن ميزانية سنوية تصل إلى مليار دولار، الرقم الذي يوحي بأننا نواجه دولة بمعناها العملي، إلا أن ذلك المليار ومصادر التمويل المتعددة والدخل اليومي الذي يُقدّر بمبلغ مليون دولار يومياً لم يكن يكفي لإدارة أراضٍ شاسعة تقارب مساحتها المملكة المتحدة!
هزيمة داعش العسكرية وحدها لا تكفي، بل لا بد من اجتثاث جذور المشكلة من فساد وطائفية وردع الدول الساعية لنشر الفوضى، فما يفعله أردوغان الآن في عفرين، وما تقدمه قطر من دعم لمرتزقتها من إرهابيي جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) سوى تهيئة المنطقة لحقبة أخرى من الفوضى يتغذى عليها الإرهاب
ومن الناحية العسكرية فالملتحقون بدولة "داعش" يتم إخضاعهم لدورة تدريبية مدتها شهر؛ تشمل أسبوعاً يُلقَّنون فيه تأسيساً دينياً مؤدلجاً، ثم ثلاثة أسابيع فقط للعمليات العسكرية والرماية الحية والتمارين الرياضية، ولا نغفل وجود بعض العناصر المخضرمة التي كانت في الحرس الجمهوري إبان النظام البعثي، وآخرين ذوي خبرة معقولة في حرب العصابات قدِموا من جبهات "الجهاد" المختلفة.
وعلى الورق وجود جيش نظامي ذي تدريب عالٍ وغطاء جوي يكفي لهزيمة التنظيم، لولا أن العديد من الأطراف استفادت من وجود هذا الكيان، وحالت دون سقوطه، فبشار الأسد صوّر "داعش" على أنه البديل الأوحد حال سقوط نظامه، كما استفاد أردوغان من النفط "الداعشي" المُهرّب، ومن الضغط الذي مارسه "داعش" على المكوّن الكردي في الشمال السوري، وقد ساهم الوضع الطائفي المحتقن والفساد المستشري في حكومة نوري المالكي وجيشه في تسليم الموصل لحفنة من "الدواعش".
واقعياً، عزْف ترامب نغمة الانتصار على "داعش" أمر سابق لأوانه، ويستحضر صورة ذهنية وهي الفرحة الأمريكية عند سقوط بغداد 2003م ليعلن بوش تحرير العراق، ومن وقتها دخل العراق نفقاً مظلماً ليخضع للنفوذ الإيراني والاحتقان الطائفي والفساد المستشري الذي شكّل الأرض الخصبة لعودة "الجهاديين"، وتشكّل البؤرة التي نشأ منها تنظيم "داعش" الذي سيطر على جزء غير يسير من الأراضي العراقية.
هزيمة "داعش" العسكرية وحدها لا تكفي، بل لا بد من اجتثاث جذور المشكلة من فساد وطائفية وردع الدول الساعية لنشر الفوضى، فما يفعله أردوغان الآن في عفرين، وما تقدمه قطر من دعم لمرتزقتها من إرهابيي جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) سوى تهيئة المنطقة لحقبة أخرى من الفوضى يتغذى عليها الإرهاب. كذلك ما يرتكبه نظام بشار الأسد من ممارسات موغلة في حق المدنيين مدعوماً -أو مأموراً- من الحرس الثوري الإيراني ومليشيات "حزب الله". وترقب ما ستُفضي إليه الانتخابات العراقية التي قد يترتب عليها عودة المالكي لنعود إلى المربع الأول. فلا بد ألا تُغيّبنا نشوة الانتصار، فالمهمة لم تنتهِ بعدُ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة