نازحون يفضلون أطلال منازلهم المدمرة على كورونا المخيمات
المخيمات تفتقد الخدمات الأساسية خصوصاً الصحية منها كشبكات المياه والصرف الصحي، ويبدو غسل اليدين أو الاستحمام بمثابة ترف
رغم دمار منزله في شمال غرب سوريا، قرر حسن خريبي العودة إلى مدينته أريحا، في محاولة لحماية أطفاله العشرة من خطر وباء كورونا الذي يهدد بكارثة إنسانية في حال انتشاره في مخيمات النازحين المكتظة.
ويقول خريبي (45 عاماً) الذي عاد قبل أسبوع مع عائلته إلى مسقط رأسه بعد شهرين من النزوح: "المخيمات مكتظة بشكل كبير وخفنا من احتمال انتشار فيروس كورونا هناك بسبب الازدحام"، ويضيف: "لذلك قررنا العودة إلى منازلنا حتى وإن كانت مدمرة، لنعيش فوق ركامها".
ولم تُسجل أي إصابة بعد بفيروس كورونا المستجد في إدلب ومحيطها، إلا أن منظمات إنسانية دولية حذّرت من كارثة إذا طال الوباء المخيمات المكتظة بالنازحين المنتشرة بشكل أساسي قرب الحدود التركية شمالاً.
وتفتقد المخيمات الخدمات الأساسية، خصوصاً الصحية منها كشبكات المياه والصرف الصحي، ويبدو غسل اليدين أو الاستحمام بمثابة ترف لا يمكن لكثيرين الحصول عليه.
وخريبي واحد من نحو مليون شخص نزحوا من مدنهم وقراهم في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الجنوبي المجاور هرباً من الحرب.
وبعد أسابيع من دخول الهدنة حيز التنفيذ، عاد الآلاف من النازحين إلى مناطق عدة؛ بينها أريحا والأتارب وإحسم، إما لتفقد منازلهم وممتلكاتهم وإما للبقاء فيها.
في أريحا، يحاول مئات العائدين إعادة الحياة شيئاً فشيئاً إلى المدينة، بدأ بعضهم بإصلاح الأضرار التي طالت الأبنية والمنازل، وأعاد آخرون فتح محالهم والبحث عن مصدر رزقهم.
ويلهو أطفال فوق أنقاض المنازل المدمرة، يتبادلون الضحكات ويتسابقون على تسلق جبال الركام، في مشهد لطالما طبع سنوات الحرب التسع.
وفي محل مجاور، ينهمك عامل بوضع العجين المقطع بشكل دائري في الفرن الآلي الوحيد الذي عاد إلى الخدمة في المدينة، ليخرج منه خبز ساخن تفوح رائحته في الأرجاء.
واستأنف خريبي بدوره العمل في شوارع أريحا، حيث يجول على السكان بصهريج مخصص لبيع مياه الشرب.
"خفت على الأطفال"
وأجبرت هجمات متكررة على مر السنوات الماضية رامي أبورائد (32 عاماً) على الفرار مع زوجته وأطفاله الثلاثة من منطقة إلى أخرى في سوريا قبل أن ينتهي به المطاف في أريحا التي عاد إليها الأسبوع الماضي، بعد نزوحه إلى شمال إدلب.
ويقول: "ضاقت الأوضاع علينا بشكل كبير، والنزوح صعب"، وبعد شهرين من النزوح، اتخذ قرار العودة خشية من تفشي الوباء.
ويشير إلى أن "الكثافة السكانية في الشمال ارتفعت بشكل كبير وباتت منطقة مزدحمة، يعيش الناس فوق بعضهم، وتجد في كل منزل 3 أو 4 عائلات تعيش معا، هذا غير منطقي خصوصاً مع انتشار كورونا".
وهو مقتنع بأن الاشتباكات ستستأنف عملياتها عاجلاً أم أجلاً، وأن التهدئة مرتبطة بالفيروس، غير أنه قرر مع ذلك أن يعود أدراجه "خوفاً على الأطفال".
"نحو المجهول"
ودفع السبب ذاته ياسر السحيم (52 عاماً) إلى العودة مع زوجته وأولاده السبعة إلى أريحا بعد شهرين من نزوحهم، ورغم دمار منزلهم، واختار الرجل استئجار منزل باعتبار أن "المكان هنا هادئ وعدد السكان قليل جداً".
وفي أريحا أيضاً، تحاول أم عبده (40 عاماً) وزوجها البحث عن منزل للإيجار بعدما استحال بيتهما ركاماً، وتقيم العائلة منذ فرارها قبل نحو شهرين إلى الشمال، في مسجد قرب الحدود التركية، إلا أن ما يدفعها للعودة لا يتعلق بالهدنة ولا الخشية من تفشي الوباء.
وفي مقبرة المدينة، تنتقل أم عبده مع طفلتها وهي تضع قناعاً واقياً على وجهها بين ضريحي ولديها اللذين قتلا بقصف خلال السنوات القليلة الماضية، تعانق شاهد قبر أحدهما ثم تنحني قرب الآخر.
وتقول بحرقة: "إن شاء الله نستقر في مدينتنا لأتمكن من زيارة قبري ولديّ.. هما أكثر ما أريد العودة إليه".