إخوان تونس ومزاعم الحوار.. سفينة تائهة بلا مرسى
صفعات متتالية لم تترك لإخوان تونس سوى الانحناء لعاصفة اللفظ الشعبي والمناورة بمزاعم حوار لم يتضمنه فكرهم.
ضربات استبعدت التنظيم من السلطة في بلد أنهكته سياسات خاطئة وأجندة خبيثة على مدار أكثر من عقد من حكم الإخوان، ودفعت الشعب إلى درجة الغليان والمطالبة بإسقاطهم في مشهد انتهى برفع "الكارت الأحمر" بوجوههم عقب قرارات رئاسية استثنائية استنادا للدستور.
كابوس أزاحه الرئيس قيس سعيد عن كاهل التونسيين في 25 يوليو/ تموز الماضي، بإقرار تجميد عمل البرلمان الذي تهيمن حركة النهضة الإخوانية على تركيبته، وإقالة رئيس الحكومة الموالي للحركة هشام المشيشي.
تغيرات فرضها صوت الشارع حشرت الإخوان على الهامش، لكن يبدو أن زعيمهم راشد الغنوشي المعروف بمكره ودهائه متمسك بالعودة إلى الحكم عبر بوابة حوار لم يعترف به فكر تنظيمه يوما، لكنه يمتطيه اليوم جسرا في محاولة لتحقيق مآربه.
وأمس الثلاثاء، دعا الغنوشي إلى حوار وطني شامل في بلاده منددًا بما اعتبره "عقلية الإقصاء رغم مرور 10 سنوات على ثورة 2011".
وجاءت الدعوة خلال زيارة أجراها زعيم الإخوان في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، إلى مقر إضراب عن الطعام يخوضه إخوان تونس وأنصاره تحت ما أسموه مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" بالعاصمة تونس، "رفضًا للحكم الفردي والمطالبة بعودة البرلمان وإجراء انتخابات رئاسية في منتصف السنة القادمة".
سفينة تائهة
مراقبون تونسيون يرون أن دعوة الغنوشي لحوار وطني مناورة سياسية تضاف إلى مناوراته الأخيرة بعد اعتذاره للشعب عن أخطائه، علاوة على استعداده للاستقالة من رئاسة البرلمان المجمد وذلك بعد تخلي أكثر من 200 قيادي وعضو في الحركة عنه وقدموا استقالاتهم ورموا بأنفسهم من عرض سفينة الإخوان التائهة.
وقال حمدي الصديق، المحلل والناشط السياسي التونسي، إن دعوة الغنوشي للحوار لن يقبلها الشعب، لأنه لم يعد يثق في حيله ولن تنطلي عليه أكاذيبه التي باتت مستهلكة وقديمة .
وأضاف الصديق، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الغنوشي "يواصل مناوراته من أجل إنقاذ نفسه من المحاسبة القضائية، نظرا للجرائم التي ارتكبها من خلال حزبه في حق البلاد وشعبه، خاصة بعد صدور أحكام قضائية في ملفات كانت حركة النهضة الإخوانية تتستر عليها".
تخبط
أما نرجس بن قمرة، الباحثة في العلوم السياسية، فترى أن الغنوشي يسلك حاليا طريق المناورات السياسية ولن يستسلم بسهولة، ظنا منه أن حلفاءه في الخارج سيساعدونه على العودة للمشهد السياسي وللبرلمان بالضغط على قيس سعيد.
وقالت بن قمرة، لـ"العين الإخبارية"، إن "الغنوشي يمر بحالة من التخبط السياسي وليس من السهل أن يستسلم بعد أن كانت أيديهم مبسوطة على جميع الوزارات وهياكل الدولة والإدارات وقادوا البلاد منذ العشرية الأخيرة".
ولفتت إلى أن الغنوشي وحزبه "يواجهون العديد من القضايا المتعلقة بالإرهاب والجهاز السري للاخوان وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر، ولذلك سيحاول دائما عن طريق مناوراته الهروب من المحاسبة عن طريق عودته للمشهد السياسي التونسي".
وتلاحق حركة النهضة الإخوانية العديد من التهم على غرار التورّط في اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فضلا عن تسفير الشباب إلى بؤر التوتر، وتزوير الانتخابات.
والثلاثاء، قال الرئيس التونسي قيس سعيد إنه "سيعمل على تنظيم حوار مختلف عن الحوارات الشكلية السابقة مع الثابتين والصادقين فقط، وذلك عن طريق استشارة شعبية عبر المنصات الإلكترونية ستنطلق بداية من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل".
وفي ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أعلن سعيد عن خارطة طريق تشمل إجراء انتخابات تشريعية أواخر 2022، وتنظيم استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية في 25 يوليو/تموز القادم، كما مدد تجميد عمل البرلمان إلى حين تنظيم انتخابات جديدة.