سر شعبية نتفليكس في مصر.. "العين الإخبارية" تكشف الأسباب
يبدو أنّ منصّة البث الإلكتروني "نتفليكس" قد فرضت سيطرتها على الساحة في مصر، رغم ظهور شركات منافسة شرسة خلال الأعوام الأخيرة.
كانت البداية مع الحظر المنزلي إبان فترة "جائحة كورونا"، ولجوء الملايين إلى منصات البث، لتقضية وقت فراغهم الطويل.
وفي هذه الفترة، كانت "نتفليكس" المنصة الوحيدة تقريبًا التي ذاع صيتها، لتضمن بذلك مبيعات كبيرة، ومع إدراك بقية شركات الإنتاج قيمة الوجود التلفزيوني، وأهمية عدم الاكتفاء بالسيطرة السينمائية فقط، لجأت شركات الإنتاج إلى تدشين منصات بث خاصة بها.
وفي الأعوام الأخيرة، طرحت شركات إنتاج أمريكية منصات تدفق رقمية خاص بها، منها على سبيل المثال "ديزني" التي طرحت "ديزني بلس"، وشركة "أمازون"، التي طرحت منصة "أمازون برايم"، وشركة "بارامونت" التي طرحت منصة البث "بارامونت بلس"، إضافةً إلى "هولو وHBO وHBO ماكس"، وغيرها.
الإتاحة
من أهم عوامل تفوق "نتفليكس" هو "الإتاحة"، مع سهولة الوصول إليها في أي بلد حول العالم، وهي ميزة لا تتوافر لغالبية منصات البث للمواطنين المصريين على سبيل المثال.
منصات البث مثل "HBO وهولو وبارامونت بلس"، رغم جودة أعمالها إلا أنها غير متاحة في مصر وقد يلجأ المستخدمون إلى أنظمة تشفير خاصة ومعقدة للوصول إلى خدماتها، لكن الأغلبية تنفر من اللجوء لمثل هذه التعقيدات، في ظل وجود خدمة "نتفليكس" المتاحة سهلة الاشتراك.
وفسّر الناقد السينمائي محمد عاطف، سر شعبية منصة نتفليكس في مصر، قائلا إنها بدأت بشكل تراكمي، حيث أطلقت خدماتها في الوطن العربي قبل منافساتها بفترة، فضلًا عن أن الاشتراك في نتفليكس أكثر سهولة باستخدام الهاتف وهي خاصية غير متاحة بالنسبة لديزني بلس وأمازون برايم.
تكلفة الاشتراك
تقدم أغلب منصات البث الإلكتروني خدمات اشتراك مغرية لعملائها، حيث تمنح الغالبية الشهر الأول لمستخدميها مجاناً، مع تكلفة رمزية في حالة الاستمرار.
توجد منافسة قوية في هذا المحور، حيث كانت نتفليكس الأرخص على الإطلاق، باشتراك شهري 120 جنيها مصريا، قبل أن تعلي قيمة الاشتراك ليتراوح بين 120و200 جنيه حسب الإعلانات.
وتبلغ قيمة اشترك ديزني بلس 499 جنيهًا سنويًا، وحوالي 50 جنيه شهريًا، لتسحب بذلك البساط من تحت أقدام "نتفليكس"، وتصبح الأرخص.
ويبدأ سعر اشتراك OSN، ومن خلالها يمكن مشاهدة أعمال HBO، ويونيفرسال وبارامونت بلس، من 120 وقد يصل إلى 597 حسب نوع الباقة المشترك فيها، وكل باقة تتيح لمشتركيها مزايا أكثر مع ارتفاع قيمتها.
وأضاف أن حملات الدعاية لنتفليكس في المنطقة أفضل، والتواجد في المهرجانات أكثر كثافة، فضلًا عن تنوع المحتوى، وتقديم محتوى أصلي باللغة العربية كل هذه العناصر، مثلت نقاط قوة لنتفليكس.
وتابع: "اشتراك نتفليكس في مصر سهل ومتاح وهي قائمة كمنصة مستقلة، في حين لا يمكن الوصول إلى HBO في مصر إلا عبر OSN، والأخيرة اشتراكها أغلى في مصر".
ولخص الناقد والمبرمج السينمائي محمد عاطف، عوامل سيطرة "نتفليكس"، مؤكدا أن المنصة الأكثر إتاحة والأكثر دعاية والأرخص في تكلفة الاشتراك هي الأنجح على طول الخط.
المحتوى
مع بداية تدشين منصة "ديزني بلس"، أعلنت "ديزني" سحب كل أعمالها الحصرية التي اشترت منصات البث الأخرى حقوق عرضها، كي يعرض محتواها حصريًا على المنصة.
ومثلت هذه الخطوة نقطة تحول في سيطرة "ديزني بلس" على السوق، خاصةً مع الشعبية الكبيرة لأعمال مارفل وأفلام الأنيميشن الناجحة لديزني.
ورغم نجاح هذه الخطوة في البداية، لكن سرعان ما تعافت "نتفليكس" وبدأت في التركيز على إنتاج محتوى أفلام "أنيميشن" وأكشن وأعمال أبطال خارقين خاصة بها.
وطرحت نتفليكس على مدار الأعوام الأخيرة أعمال كثير ناجحة منها: The Umbrella Academy "أكاديمية المظلة"، بطولة مجموعة أشقاء من الأبطال الخارقين، وأفلام أنيميشن مثل The Sea Beast، وغيرها من الأعمال الناجحة.
وفي حين تركز "ديزني بلس"، ومنصات بث أخرى مثل HBO وأمازون برايم على مدى كفاءة الأعمال التي يتم إنتاجها، بحيث قد تطرح أعمال قليلة ولكنها تحظى بنجاح جماهيري ونقدي مثل Only Murders in the Building على هولو، ومسلسل آل التنين على HBO.
نجد أن "نتفليكس" تطرح عشرات الأعمال بمكتبة ضخمة دراميًا وسينمائيًا، قد ينجح بعضها وقد يفشل البعض الآخر.
وتتبع "نتفليكس" سياسة الكم التي أثبتت نجاحها على الورق، حيث يصل عدد المشتركين في خدمات البث بحسب آخر الإحصائيات إلى 225 مليون مشترك، بينما يبلغ عدد المشتركين في ديزني بلس 152 مليون مشترك، أما هولو فيبلغ 22.8 مليون مشترك.
قد نرجع فارق أرقام المشتركين إلى أقدمية نتفليكس، لكن هناك عوامل كثيرة يمكن أن نعزو لها هذا الناجح منها التنوع وتركيز نتفليكس على الأعمال التي تلقى نجاحًا لدى جمهور المراهقين منها مسلسلات مثل سترانجر ثينجز وYou "أنت".
وبدا من الواضح، أن خطوات ديزني لملاحقة نتفليكس، دائمًا ما تؤدي إلى تفوق نتفليكس في النهاية، وإن فازت ديزني في البداية.
ويرى الناقد السينمائي البحريني طارق البحار أن منصة التدفق الإلكتروني "نتفليكس" تمتلك مكتبة فنية متنوعة وضخمة سينمائيًا ودراميًا، ما يجعلها خارج المنافسة ولا تقارن بأحد بفارق كبير عن السوق الحالي.
وقال البحار، إن هناك أسباب عدة لتميز نتفليكس وتفوقها في سباق منصات البث الإلكتروني، أولاً الأقدمية والقدرة على قراءة السوق الفني مبكرًا، حيث أطلقت خدماتها عالميًا وفي منطقة الشرق الأوسط قبل الجميع وبأسعار خرافية تكفل للجميع إمكانية الاشتراك.
ثانيًا: استحواذ نتفليكس على عدد من شركات الإنتاج المهمة وشركات الترجمة حول العالم وشراء حقوق عرض أعمال فنية مهمة، ووجودها بكثافة في وقت جائحة كورونا، وشراء ملكية عرض أعمال باللغة العربية وإنتاج أخرى أصلية، كل هذا ساهم في سرعة الانتشار ووجودها في المرتبة الأولى مقارنة بمنصات بث أخرى مثل هولو وديزني بلس وشاهد، على حد قوله.
وتابع: "رغم وجود عدد من الأعمال التي لا تناسب المشاهد العربي، لكن لا يوجد هاتف ذكي لا يتضمن تطبيق (نتفليكس)، ولا يوجد منزل عربي لا يعرف عن (نتفليكس)، فالأخيرة علمت الجميع معنى وجود منصة بث في المنزل".
وأوضح البحار أنه يصعب الجزم إذا كانت نتفليكس ستظل قادرة على الحفاظ على نفس المكانة، لكن توقيت ظهورها عام 1997 واستمرارها حتى الآن في السباق، في صالحها بلا شك، حتى لو كان هناك منصات بث أخرى تقدم محتوى الأفضل.
وكانت البداية خدمات تأجير أفلام وتوصيل "دي في" للمشاهدين في المنزل عبر البريد، وحتى انطلاقتها كمنصة بث عام 2016 ووصولها إلى أكثر من 150 دولة حول العالم.
أضافت "نتفليكس" إعلانات مقابل دفع اشتراك أقل، وزيادة الإنتاج الأصلي، إضافة إلى وجودها في أغلب المهرجانات من بينها مهرجان البحر الأحمر، كل هذه سياسات فرض السيطرة والنفوذ التي تكفل لها الاستمرارية، على حد تعبيره.
وقال البحار، إن خدمات ديزني بلس من أفضل وأقوى الخدمات الموجودة حاليًا سواء في البحرين، أو غيرها من دول المنطقة بسبب صفقات ديزني للاستحواذ على مجموعات إنتاج فني عالمية أخرى، منها على سبيل مارفل وأعمال الأبطال الخارقين، التي تمتلك شعبية كبيرة لدى الجمهور.
وأشار إلى أن التغييرات المستمرة في إدارة ديزني وتكاليف البث العالمية والإعلانات قد تكون مؤثرًا قويًا على ديزني بلس، أدى إلى تراجعها وتفوق نتفليكس، لكن هناك مجال لتقدمها في المستقبل مع تغير الرئيس التنفيذي بوب إيجر.
وأضاف، أن منصة ديزني بلس من أفضل منصات البث ولكن المشاهد العربي اعتاد على نتفليكس، ما يجعل من الصعب انتزاعها منه؛ فمن السهل أن يفتح المشاهد التلفزيون ويضغط على تطبيق نتفليكس بحكم الاعتياد، حتى لو تضمنت ديزني بلس محتوى أفضل.