طلاق "بارتي".. احتفال بـ"أبغض الحلال" يصطدم بالتقاليد
حفلات الطلاق لم تعد قاصرة على حالات فردية يكون أبطالها دوما من المشاهير، بل أصبح سلوكا منتشرا، ربما يتحول لاحقا إلى ظاهرة.
في شهر يونيو/حزيران الماضي أصبحت فداء، الفتاة الفلسطينية من قطاع غزة، حديث مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن نشرت صورا لحفلة طلاق أقامتها للتعبير عن فرحتها الغامرة بالفكاك من طليقها.
الجدل الذي أثارته "فداء"، لم يكن سببه حداثة هذه الحفلات، التي أقامتها كثير من الفنانات العرب، ربما قبل الفنانة الأمريكية "شانا موكلير"، التي يظن البعض خطأ أنها صاحبة هذه البدعة، ولكن السبب الرئيسي هو طبيعة المجتمع الذي تنتمي له "فداء"، بما يشير إلى أن هذا النوع من الحفلات لم يعد قاصرا على حالات فردية يكون أبطالها دوما من المشاهير.
وبدأ الحديث إعلاميا عن هذا النوع من الحفلات قبل 13 عاما عندما أقامت عارضة الأزياء وممثلة ونجمة تلفزيون الواقع وملكة الجمال الأمريكية "شانا موكلير" حفل طلاق في يوليو/ تموز من عام 2007، ثم أقامت بعد ذلك أكثر من فنانة عربية حفلة طلاق، وقيل وقتها إنه تقليد للفنانة الأمريكية، وأشهرهن الفنانة المصرية هالة صدقي في عام 2012، والفنانة هنا شيحة، والمطربة اللبنانية ميسم نحاس، والمذيعة السعودية خديجة الوعل.
ولكن صحفيين ومتخصصين في الشأن الفني، أشاروا إلى أن هناك فنانات عربيات سبقوا "شانا موكلير" لهذا النوع من الحفلات، مع اختلاف جوهري، وهو أن طليق الفنانة يكون أحد المدعوين لهذه الحفلات، وتعد الفنانة الراحلة مديحة يسري صاحبة أقدم حفلة من هذا النوع، إذ دعت طليقها المطرب الراحل محمد فوزي وعدداً من المقربين والفنانين والصحفيين، مؤكدة خلال الحفل استمرار علاقتهما كأصدقاء رغم الطلاق.
وفعلت النجمة إلهام شاهين الشيء ذاته، إذ دعت زوجها المنتج عادل حسني مع نحو 300 من أصدقائهما لحضور حفل في أحد فنادق الإسكندرية، وفي نهاية الحفل قال الزوج: "اتفقنا أنا وإلهام على الانفصال، على أن نبقى زميلين في الفن، ولهذا السبب أقمنا هذا الحفل".
فارق جوهري
وربما لم تحظ هذه الحفلات بنفس الصخب الذي حظيت به الحفلات الأخرى لانتهاء العلاقة بين الزوجين بدون أزمات، كما أن التعليقات المصاحبة لهذه الحفلات كانت إيجابية، وهو ما بدا مختلفا عند النجمة "شانا موكلير" التي قالت في حفل طلاقها: "لم أكن أتخيل أبدا أنني سوف أفكر بالطلاق، ولكن إذا كنت قد اضطررت له، فالحياة لن تتوقف، وكما كنت حريصة على الاحتفال بزواجي، احتفلت أيضا بنهايته".
وحرصت في الاحتفال على أن تكون في قمة أناقتها فارتدت فستانا قصيرا في غاية الأناقة، وقدمت فيه العديد من المفاجآت للحضور، كان أبرزها ما سمته بـ"تورتة الطلاق"، وهي مكونة من ثلاثة طوابق، بالطابق العلوي دمية شقراء ترتدي فستان عروس أبيض، وفي أسفلها دمية صغيرة على شكل عريس منبطح على الأرض.
ولم تختلف مبررات الفنانة هالة صدقي عن مبررات "شانا"، وقالت "هالة" في تصريحات صحفية بعد حصولها على الطلاق: "الآن استرحت.. كان هما ثقيلا تمنيت زواله"، وكان الاحتفال هو التعبير المناسب عن السعادة بزوال هذا الهم، حيث أقامت حفلا أحياه المطربان محمد فؤاد ومحمد منير، وحضره عدد كبير من أصدقائها بالوسط الفني.
وكانت قضية طلاق هالة صدقي من زوجها رجل الأعمال مجدي وليم من أشهر قضايا الأحوال الشخصية، حيث حصلت على الطلاق بعد صراع طويل دام لما يقرب من عشر سنوات، كان زوجها يصر خلالها على عدم طلاقها، إلى أن بدأت المحاكم المصرية تطبق قانون "الخلع" الذي يمنح المرأة حق الطلاق من زوجها مقابل التخلي عن حقوقها ورد المهر الذي دفعه لها، فاستفادت منه، وأصبحت أول مسيحية يتم طلاقها بالخلع.
وانتشرت هذه الحفلات بعد ذلك، الأمر الذي دفع وسائل إعلام إلى معالجة هذه القضية، ونشرت الصحف مؤخرا حالات كثيرة لسيدات أقمن حفلات طلاق كان معظمها بالسعودية، فهذه "بدور المحمود" دفعت 100 ألف ريال لحفل طلاق، وبررت ذلك لصحيفة الجزيرة السعودية بقولها "هذا نذر أوفي به"، ورفضت استنكار البعض قيام المرأة بإقامة هذه الاحتفالات قائلة: "من لم يشرب من نفس الكأس، لن يفهم مشاعر المرأة وحسرتها".
وأيدت "ريم الشهري" ما ذهبت إليه "بدور" وقالت لنفس الصحيفة: "احتفلت بالخلاص من المعاناة.. ما المشكلة في ذلك؟".. ومؤخرا عبرت الفتاة الغزاوية عن نفس المعنى، مكتفية بعبارة من كلمتين، وهي: "أنا حرة".
احتفال داخلي
وإذا كانت السيدات المطلقات، باستثناء حالتي الفنانة الراحلة مديحة يسري، والفنانة إلهام شاهين، ترى في هذا الاحتفال أمرا طبيعيا، خاصة أن معظمهن يحصلن عليه بعد معاناة، فإن هناك اختلافا بين السيدات المتزوجات حول جدوى هذا الاحتفال، أما رجال الدين وخبراء علم الاجتماع فقد اتفقوا على عدم الجدوى، في حين فرق علم النفس بين نوعين من الطلاق لكل منهما مبررات مختلفة للاحتفال به.
واتفقت معظم المتزوجات على أنهن لا تنكرن على المرأة الفرح والسعادة بالحصول على الطلاق، ولكنهن تنكرن أن يأخذ التعبير عن الفرح والسعادة طابعا احتفاليا، وقالت آمال "48 عاما": "إذا كانت المطلقة تريد أن تعبر عن سعادتها بالحصول على الطلاق، فيمكنها أن تحمد الله وتتصدق بالمال في الصالح، وليس بإنفاقه على الاحتفال".
وتتفق معها مها "32 عاما" التي وصفت الاحتفال بالطلاق بموضة غربية لا تناسب طبيعة مجتمعاتنا العربية، وقالت: "مهما كانت معاناة المرأة في زواجها، يوجد في الزواج ما يستحق التحمل.. على الأقل لرعاية الأبناء".
وترى شيماء "39 عاما" أن السيدات اللائي تقمن مثل هذه الاحتفالات غريبات عن مجتمعنا الذي يعتبر الطلاق "أبغض الحلال"، وتتسائل مستنكرة: "هل يصح أن يحتفل الإنسان بشيء بغيض؟!" وتضيف: "هذا ضد الفطرة".
وتؤكد هاجر "33 عاما" على ما ذكرتة شيماء، قائلة: "كنا نشاهد في الأفلام السيدة تبكي بعد الحصول على الطلاق، حتى لو كانت هي التي طلبته، ولكن أن يتم الاحتفال به، فهذا جنون".
مبررات عديدة
وفي مقابل هؤلاء هناك من لا ترين في حفلات الطلاق أمرا غريبا، بل تتبارين في تقديم المبررات لهذه الحفلات، فهالة "42 عاما" كانت من أشد المدافعات عن إقامة مثل هذه الحفلات، وقالت: "إنها وسيلة لإعلام الأقارب والأصدقاء أن المرأة المطلقة أصبحت متاحة للزواج مرة أخرى".
وتساءلت غادة "46 عاما": "ما المانع أن تحتفل المرأة بخلاصها من رجل كان سببا لمعاناتها وتعاستها" وقالت: "ألا ترون السجين يحتفل بعد خروجة من السجن.. إنه نفس الشيء".
وتلقي منيرة "29 عاما" باللائمة على الرجال معتبرة إياهم هم المسئولين عن هذه الظاهرة، لأنه لولا تعنت الرجال في إعطاء السيدات حريتهن ما ظهرت هذه الظاهرة، وتتسائل: "كيف يقبل رجل أن يعيش مع امرأة تكرهه؟".
احتفال بأبغض الحلال!
ويميل علماء الاجتماع ورجال الدين إلى ترجيح رأي السيدات اللائي ترفضن مثل هذه الاحتفالات، وتقول د. سامية خضر أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس المصرية: "صحيح أن الطلاق حلال، ولكن الله يبغضه، فلا يجوز لنا أن نفرح به ونقيم له الاحتفالات".
واعتبرت "خضر" هذا الاحتفال أشبه بمن يحتفل بعدم لياقته للخدمة العسكرية، فبدلا من أن يحزن ويخجل لأنه غير مؤهل لهذا الشرف يحتفل بذلك، ونفس الأمر مع هؤلاء السيدات، فالطبيعي أن تحزن السيدات لفشل تجربتها مع الزواج، لا أن تقيم له الاحتفالات.
ويرى الشيخ أحمد تركي، من علماء الأزهر الشريف، أن هذا الاحتفال غير مقبول شرعا، لأنه يتنافى مع مقاصد التشريع الإسلامي في فرض شهور للعدة لا يجوز للمطلقة الزواج خلالها، فالهدف من هذه الشهور أن تشعر الزوجة بالندم لفراق الزوج وانقطاع الصلة، فيكون ذلك مبررا لعودة العلاقة الزوجية، ولكن هذا الاحتفال هو أشبه بمن يخرج لسانه للآخر ليغيظه، وهذا غير مقبول شرعا.
نوعان من الطلاق
ويفرق د. خالد السيد أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، شمال مدينة القاهرة المصرية، بين نوعين من الطلاق، تختلف مبررات الاحتفال بهما، الأول يأتي بناء على رغبة من الزوج فتقوم الزوجة بالاحتفال حتى لا يشمت أحد فيها، وتعطي إيحاء للآخرين أن الطلاق كان أمنية تحتفل بتحقيقها، ويكون الاحتفال في هذه الحالة هو تعويض نفسي عن الهزيمة، ورد فعل للإحساس بالفشل.
أما النوع الثاني وهو الأكثر شيوعا، فالطلاق يحدث بناء على رغبة الزوجة ويأتي بعد سلسلة من القضايا بالمحاكم رفعتها للحصول عليه، ويكون الاحتفال هدفة التعبير عن الفرحة، ولكنه تعبير غير سوي يتنافى مع قيم المجتمع وتقاليدة.