هجمات المقدادية العراقية.. "داعش" على هامش المكان والتوقيت
بفترة انتقالية بالغة الحساسية بالعراق، اختار داعش أن يضرب في منطقة ذات خصوصية، محاولا البحث عن موطئ قدم في ثنائية الزمان والمكان.
في وقت تنشغل فيه الأطراف القوى والأحزاب السياسية العراقية بنتائج الطعون التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة، يحرك تنظيم داعش خلاياه الإرهابية لضرب المناطق مستغلاً المرحلة الانتقالية.
وخلال الـ27 ساعة الماضية، سجل العراق ثلاث هجمات متتالية تبناها تنظيم داعش استهدفت قرى نائية عند أطراف محافظة ديالى، أنذرت بتأجيج الصراع الطائفي في البلاد.
وأسفرت الهجمات الثلاث الأخيرة في قضاء المقدادية بالمحافظة عن مقتل 21 مدنيا وجرح 16 آخرين، في وقت تتحرك فيه القوات الأمنية عبر تعزيزات عسكرية للسيطرة على تفاقم التطورات.
ومنذ سنوات، تشهد ديالى القريبة من الحدود الإيرانية حالة من الاضطراب الأمني يرافقه استقرار متقطع سرعان ما يهتز بين الحين والآخر.
وبحكم جغرافيتها الممتدة والمعقدة، فضلاً عن تنوعها الاجتماعي الذي يضم مذاهب وأقليات مختلفة، شكلت المحافظة واحدة من أهم الأهداف التي يحاول من خلالها التنظيم ضربها من أسفل "الجدار".
المربع الأول
لم يكن الهجوم الذي شنه تنظيم داعش ليل الأربعاء في منطقة الرشاد بقضاء المقدادية اختراقاً أمنيا بقدر ما يشكل استهدافاً لضرب التعايش السلمي، خصوصا أن هجومه قاد بعد نحو ساعات لرد فعل انتقامي نفذته عناصر مسلحة استهدف قرية مجاورة، مما أسفر عن وقوع ضحايا بينهم نساء وأطفال.
والمقدادية تعتبر ثاني أكبر قضاء في محافظة ديالى، وتمتد على مساحة زراعية تقترب من مائتي ألف دونم ويقطنها نحو 155 ألف ساكن، وشهدت قبل نحو 7 سنوات أحداثا ذات بعد طائفي راح ضحيتها العشرات.
وتعليقا على الأحداث، يرى الخبير الأمني العراقي معن الجبوري، أن المنطقة التي وقع فيها الحادث من المناطق التي ينشط فيها تنظيم داعش، وهي منطقة رخوة تمتاز بتضاريس صعبة تمكن عناصر التنظيم من التحرك بسهولة من دون أن يتم اكتشافهم".
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال الجبوري إن "داعش يستغل التنوع الديموغرافي في هذه المناطق لشن عملياته"، مبينا أن "المنطقة التي وقع فيها الحادث حساسة جدا لأنها تضم قرى ذات أغلبية شيعية وأخرى سنية".
وأشار إلى أن "داعش يستغل الظروف السياسية التي يشهدها العراق، خاصة بعد حالة الارتخاء الأمني والاستقرار النسبي الذي سبق الانتخابات".
من جانبه، يرى المتحدث باسم العمليات المشتركة، تحسين الخفاجي، أن هجمات داعش على قضاء المقدادية تثبت بالدليل القاطع عجز التنظيم وفقدانه القدرة على مواصلة خروقاته التقليدية.
ويقول الخفاجي، لـ"العين الإخبارية"، إن "داعش أراد من خلال تلك الهجمات تحريك العراق إلى المربع الأول بعد أن باتت عناصره غير قادرة على مهاجمة القوات الأمنية بشكل مباشر"، مشددا على أن "الإرهابيين لن ينجحوا في تحقيق مآربهم الدنيئة بفعل مقدرة قواتنا ووعي الأهالي ".
جغرافية عسكرية
أما الخبير الأمني، أحمد الشريفي، فيعتبر أن "تزامن تلك الهجمات بالمكان والزمان ليس بالصدفة أو الأمر العائم غير المخطط له مسبقاً، وهو كذلك لا يخلو من البعد السياسي".
ويوضح الشريفي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الزمان يقصد منه غياب البرلمان بوصفه يلعب دور الأشراف والمتابعة لمسار القوات الأمنية، أما المكان فهو يسعى لإذكاء الفتنة الطائفية في خواصر مازالت تصنف على أنها قلقة أمنيا".
ويتابع بالقول: "داعش لها استراتيجيات وأهداف من وراء الهجمات، فهو يحاول إثارة النعرات القومية بين العرب والكرد والتركمان في محافظة كركوك والبعد الطائفي والمذهبي في ديالى، فضلاً عن أهداف كل حسب طبيعة المكان الذي يستهدفه".
ويلفت الشريفي إلى أن هجمات داعش في قضاء المقدادية "لا تخلو من بصمة سياسية يهدف من ورائها إثارة التناحر المجتمعي وتهديد السلم الأهلي، باعتبار أن المنطقة برمتها -وليس العراق فقط- تعصف بها إرادات الغاية منها إحداث تصادم في الهويات الفرعية تحت ما يسمى بالتوازنات الإقليمية والدولية".
وبشأن إمكانية التغلب على تلك الخروقات وقطع الطريق أمام داعش، يؤكد الشريفي أن العراق "بحاجة إلى مغادرة الأسلوب التقليدي والأخذ بالاستراتيجيات الحديثة للحرب والتي من خلالها يمكن التأسيس لقوة ردع ناجحة وذات كفاءة أمنية عالية".
وشدد الخبير على "ضرورة أن تكون هنالك قوات تقدم الدعم والإسناد للقوات الماسكة على الأرض بعيداً عن منهجية الانتشار البري وتحريك القطعات في حال وجود هجمات أو خروقات أمنية لأن ذلك غالباً ما يكون بطيئاً وربما ينصدم بمعوقات تمنع من تحقيق رد فعل سريع".
ويختتم بالقول: "كان من المفروض على أصحاب القرار في العراق الاستعداد عسكريا وأمنيا بأكبر قدر ممكن خلال المرحلة المحصورة بين الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة لأن داعش سيحاول استغلال تلك المرحلة بمزيد من الهجمات".
اجتماع وزاري للأمن
وفي وقت سابق الخميس، اختتم القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، اجتماعا للمجلس الوزاري للأمن الوطني، تطرق خلاله لأحداث المقدادية.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، في بيان تلقت "العين الإخبارية"، نسخة منه، أن "الكاظمي ترأس اجتماعا للمجلس الوزاري للأمن القومي بحضور عدد من القيادات الأمنية والعسكرية".
وأضاف أنه "خصص الاجتماع لبحث الأوضاع الأمنية التي تشهدها محافظة ديالى، ومستجدات عمل اللجنة الأمنية المشكلة من قبل القائد العام للقوات المسلحة والمرسلة إلى المحافظة".
ووصف رئيس الوزراء أداء القوات العراقية في سرعة الرد والاستجابة السريعة، بـ "الأداء البطولي المتميز الذي عرف به الرجال الأشاوس في قواتنا الأمنية"، قائلا إن "عصابات داعش كانت تبحث عن موطئ قدم في المحافظة، لكن هيهات أن يتسنى لهم ذلك".
ودعا الكاظمي "جميع الجهات بعدم استغلال مأساة المواطنين من أجل تحقيق أمور بعينها، وإلى التكاتف من أجل دحر الإرهاب".
وأصدر القائد العام للقوات المسلحة، خلال الاجتماع، عددا من التوجيهات إلى القادة الأمنيين والعسكريين في محافظة ديالى؛ من أجل تثبيت الأمن والاستقرار، والقضاء على فلول التكفير الإرهابي والداعشي فيها، وفق البيان نفسه.