عودة ترامب تضع أوروبا بمنعطف حرج.. هل تنجح روشتة الإنقاذ؟
على مدى عقود من الزمان كان التحالف عبر الأطلسي يشكل حجر الأساس للأمن الأوروبي، لكن شراكة أوروبا مع الولايات المتحدة تمر اليوم بمنعطف حرج.
فمع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض هناك خطر حقيقي يتمثل في احتمال تراجع مشاركة الولايات المتحدة في أوروبا بشكل حاد، بحسب صحيفة «فورين أفيرز»، التي حذرت من أن العواقب ستكون عميقة إذا أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لكييف، سواء بالنسبة للحرب في أوكرانيا أو بالنسبة لبقية دفاعات أوروبا ضد التهديدات الخارجية، بينها روسيا.
وعلى الرغم من أن ولاية ترامب الثانية من المرجح أن تبشر بقطيعة جذرية مع السياسة الأمريكية السابقة، فإن الواقع هو أن السخط إزاء المساهمة الأوروبية في العلاقة عبر الأطلسي كان يتصاعد في الولايات المتحدة لسنوات.
لكن أوروبا «أهدرت الوقت الذي كان ينبغي لها أن تنفقه في الاستثمار بشكل أكبر في العلاقة، بما في ذلك من خلال بناء دفاعاتها الخاصة»، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن حرب أوكرانيا كان ينبغي أن تكون بمثابة جرس الإنذار الأخير، الذي يخلق زخما حقيقيا وراء جهود أوروبا لتصبح جهة فاعلة أمنية موثوقة في حد ذاتها.
إلا أنه بدلا من ذلك اعتمدت أوروبا مرة أخرى على الولايات المتحدة لتولي زمام المبادرة في حرب أوروبية، في خيار أصبح الآن معرضا لخطر الاختفاء، فيما لا يستطيع القادة الأوروبيون ببساطة تحويل اللوم عن محنتهم إلى واشنطن.
روشتة الإنقاذ:
تقول «فورين أفيرز» إنه على الزعماء الأوروبيين أن:
- يتصرفوا بحزم من أجل تعزيز استراتيجية موحدة لضمان السلام والاستقرار في القارة.
- يكثفوا بسرعة دعمهم الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا.
- يبدؤوا في بذل جهود جادة لإنشاء صناعة دفاعية أوروبية متكاملة.
- يثبتوا للولايات المتحدة أن أوروبا مستعدة للوفاء بدورها في الشراكة ذات المنفعة المتبادلة.
- أن يكون أمن أوروبا أوروبيا وإلا فلن يكون له وجود على الإطلاق.
- الاستعداد لاحتمال أن تصبح للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية الطرف الرئيسي المكلف بإنهاء صراع كبير في القارة.
- تعزيز القدرات الدفاعية للدول الأوروبية.
- زيادة الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا بشكل كبير.
- على الأوروبيين أن يستغلوا إمكانات القارة كجهة أمنية موثوقة، وبالتالي إنقاذ العلاقات عبر الأطلسي وكبح جماح طموحات روسيا.
- على الاتحاد الأوروبي -بما في ذلك المفوضية الأوروبية والعواصم الوطنية- والولايات المتحدة أن ينسقا استراتيجياتهما لمعالجة محور القوى المعادية التي تعمل على تحدي النظام الدولي.
فهل هناك إرادة؟
وعلى الرغم من أن أوروبا في حاجة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية وبسرعة، لكن هذا المشروع يتطلب زعامة سياسية، وهو أمر يصعب الحصول عليه حاليا، ففي ألمانيا انهارت الحكومة الائتلافية، وسوف يقضي الساسة في البلاد الأشهر المقبلة مشغولين بالانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في الثالث والعشرين من فبراير/شباط وعملية بناء الائتلاف التي ستليها.
وفي فرنسا، خسر الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته البرلمانية هذا الصيف، الأمر الذي جعله ضعيفا سياسيا، وفي الوقت نفسه تظل علاقة الاتحاد الأوروبي بالمملكة المتحدة، إحدى أقوى القوى العسكرية في أوروبا، محفوفة بالمخاطر، حتى مع بذل الجانبين جهودا صادقة لتحسين التعاون.
إلا أنه لحسن الحظ فإن أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي مثل بولندا ودول البلطيق ودول الشمال الأوروبي على استعداد لتولي زمام المبادرة.
ويحاول رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بالفعل جمع الدول الأوروبية الرائدة في حلف شمال الأطلسي لتحسين التنسيق بشأن أوكرانيا وتكثيف الدعم لكييف.
لكن أي بناء دفاعي كبير سوف يحتاج إلى القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي لألمانيا لكي ينجح، وهذا يعني أن الحكومة الجديدة في برلين سوف تحتاج إلى التعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه القارة بجدية، وأن تكون على استعداد لتخصيص الأموال لدعم الجهود الأوروبية الأوسع نطاقا.
عواقب التأخير
بحسب «فورين أفيرز»، فإن الفشل في إعطاء الأولوية لجهود الدفاع الآن من شأنه أن يجعل أوروبا عُرضة بشدة لاستمرار «الخطر الروسي»، وعلاوة على ذلك فإن أي تردد في تحمل المزيد من العبء الدفاعي القاري من شأنه أن يجهد العلاقات عبر الأطلسي في وقت حرج.
ولا شك أن الاحتفاظ بالولايات المتحدة كشريك أمني يصب في مصلحة أوروبا، لكن القيام بذلك يتطلب أن تكون أوروبا استباقية، وأن تشارك واشنطن بشكل بناء في إيجاد توازن جديد للمسؤوليات ومناقشة الأهداف الأمنية المشتركة.
وإذا فشلت هذه الجهود -وتراجع الدعم الأمريكي- فإن الثمن سيكون باهظا، وفي غياب الدفاعات القوية التي تقف في طريقه لن يكون لدى بوتين أي سبب للتوقف عند أوكرانيا، وبعد عقود من السلام النسبي قد تصبح الحرب مرة أخرى عنصرا ثابتا في السياسة الأوروبية.
aXA6IDE4LjE5MS44MS40NiA= جزيرة ام اند امز