موجات جفاف غير مسبوقة تحاصر العراق.. ما علاقة إيران وتركيا؟
شهد العراق موجات جفاف غير مسبوقة ونقصًا في المياه والكهرباء على مدى السنوات القليلة الماضية، مما أثار غضب الرأي العام في البلاد.
وتعود الشرارة الأولى لهذا الغضب العام إلى تقارير عن انخفاض إمدادات المياه إلى الأنهار التي تتدفق إلى العراق من إيران وتركيا.
حصار الأنهار من قبل الدول المجاورة
وفي 9 مايو/ أيار الماضي، قال وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد، إن منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، اللذين ينبعان من تركيا "انخفض بنسبة تصل إلى 50%".
وقال أيضا إن إيران خفضت تدفق المياه إلى سد دربنديخان إلى "الصفر" وخفضت كمية المياه المتدفقة إلى سد دوكان بنسبة "تصل إلى 70%"، ويقع كلا السدين في إقليم كردستان العراق شبه المستقل.
وأضاف أن الوزارة تلقت تقارير تفيد بأن إيران حولت بعض الأنهار، بما في ذلك نهر سيرفان وروافد نهر ديالى العراقية.
من ناحية أخرى، يأتي حوالي 80% من احتياطي المياه لنهري دجلة والفرات في العراق من تركيا.
وفي 11 مايو/ أيار الماضي، التقى مهدي رشيد نظيره السوري، تمام رعد، ونسق العمل الثنائي مع البلاد، وحث تركيا على تخصيص المزيد من حصص المياه للنهرين الرئيسيين، دجلة والفرات، كما ألقت الأزمة بظلالها على تربية الأسماك في بعض أجزاء البلاد.
وقال رعد التميمي، رئيس نقابة مزارعي ديالى، لموقع بغداد اليوم في مطلع يونيو/ حزيران الجاري، إن الجفاف الشديد ضرب 16 ناحية في المحافظة، مضيفاً: "انخفاض منسوب المياه في الجداول وروافدها أدى إلى نفوق نصف أسماك المقاطعة".
بالإضافة إلى الصحة والزراعة، أثر نقص المياه على صناعة الكهرباء العراقية.
وحذر صادق السليطي، عضو لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي، من احتمال انهيار نظام الطاقة في البلاد، مشيرًا إلى أن محطات الطاقة البخارية والطاقة الكهرومائية تحتاج إلى مستويات أعلى من المياه الجارية في الأنهار لتوليد الكهرباء.
وشدد السليطي على "احتمال حدوث أزمة مياه في السنوات المقبلة بسبب زيادة عدد السدود في دول الجوار"، ودعا الحكومة إلى إعداد خطط قصيرة وطويلة المدى لحل هذه المشكلة.
وعلى الرغم من احتياطياته النفطية الهائلة، يستورد العراق نحو ثلث الغاز والكهرباء التي يحتاجها سكانه البالغ عددهم 40 مليون نسمة من إيران المجاورة بسبب استنزاف البنية التحتية.
واشتدت حدة النقص الحاد في الطاقة، خاصة خلال فصل الصيف منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، والذي امتد لسنوات من الصراع والفساد، لكن الانخفاض الحاد في صادرات الطاقة من إيران بسبب تراكم الديون غير المسددة في العراق، والتي وصلت إلى 6 مليارات دولار بنهاية عام 2020، أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في البلاد.
وأثارت الخطوة الإيرانية غضب الشعب العراقي وغذت المشاعر المعادية لإيران في البلاد على مر السنين.
غضب بسبب الجفاف
واجه العراق جفافاً حاداً في عام 2018، عندما بدأ فيضان سد إيلسو المشيد حديثاً في تركيا، والمبني على نهر الفرات، وفي نفس الوقت تقريبًا أفادت الأنباء بأن إيران أغلقت نهري الزاب وسيرفان الصغيرين أمام العراق.
وتسبب هذا الجفاف غير المسبوق في سلسلة من المشاكل، بما في ذلك النقص الحاد في المياه وزيادة ملحوظة في الملح والتلوث في مياه الشرب، فضلاً عن انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي ونفوق الأسماك الجماعية وانقطاع التيار الكهربائي في البلاد.
وأدى تراجع صادرات إيران من الكهرباء إلى العراق بسبب الاحتياجات المحلية وتراكم الديون غير المسددة إلى تفاقم انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في البلاد.
وفي هذا الصدد، انخفض الإنتاج الزراعي في البلاد بنسبة 50%، ووفقًا للتقارير، أدت الملوحة وتلوث المياه إلى تسمم أكثر من 130 ألف شخص في جنوب البلاد.
وأدى هذا الوضع إلى اندلاع احتجاجات عنيفة في المحافظات الجنوبية من البلاد، والتي كانت الأكثر تضررًا من الأزمة في البلاد، وهتف المتظاهرون "باسم الدين سرقونا"، في إشارة إلى الأحزاب الإسلامية الشيعية التي تحكم البلاد منذ عام 2003.
وأضرم محتجون غاضبون النار في مباني ومكاتب الأحزاب السياسية، وكذلك القنصلية الإيرانية في عدة مدن بجنوب العراق.
وكان استهداف القنصليات الإيرانية ومكاتب الأحزاب السياسية، وخاصة الأحزاب المدعومة من إيران في ذلك الوقت، مؤشرا على زيادة المشاعر المعادية لإيران في أوساط الشعب العراقي ورغبتهم القوية في تغيير النظام السياسي الذي يُلقى عليه باللوم في الفساد المستشري في البلاد.
انتفاضة عامة
وبعد عام، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 خرج مئات الآلاف من العراقيين إلى الشوارع احتجاجًا على الفساد والبطالة وسوء الخدمات العامة، مطالبين بتغييرات جوهرية في النظام السياسي الحاكم.
وبعد شهرين من بدء الاحتجاجات، التي خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى، أُجبر رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي على الاستقالة بعد 14 شهرًا.
وإضافة إلى ذلك، قام البرلمان العراقي بتغيير النظام الانتخابي استجابة لمطالبة المحتجين بإنهاء نفوذ الجماعات السياسية والإسلامية الحاكمة، واستبدال التصويت بالأحزاب بالتصويت للأفراد.
كما أدت الاحتجاجات إلى اغتيالات مستهدفة لعدد من النشطاء والمدونين والصحفيين العراقيين، وعمليات القتل التي نسبها المتظاهرون إلى الميليشيات والجماعات المدعومة من إيران.
وأعلن وزير الموارد المائية العراقي في 26 مايو/ أيار الماضي، أن البلاد لديها احتياطيات كافية لمياه الشرب والزراعة هذا الصيف، لكن هذا لن يعني انتهاء أزمة المياه في العراق حتى تتوقف دول الجوار عن بناء السدود وسد الأنهار.
وقال الخبير البيئي، سعد ناجي العزاوي، لصحيفة المدى العراقية، إن حصة العراق السنوية من مياه النهر انخفضت من 80 مليار متر مكعب في السبعينيات إلى أقل من 30 مليار متر مكعب بسبب بناء السدود في تركيا وإيران وإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي.
وقال أيضا إنها من المتوقع أن تنخفض إلى 15 مليار متر مكعب خلال العقد المقبل وإن نهري دجلة والفرات سيكونان "جافين تماما بحلول عام 2040".
aXA6IDMuMTQxLjIwMS45NSA= جزيرة ام اند امز