بدعم منظومة قانونية ورؤية ثاقبة.. دبي عاصمة عالمية للاقتصاد الإسلامي
مساهمة الاقتصاد الإسلامي بلغت نحو 40 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي بإمارة دبي بنهاية العام 2017.
بيئة عمل جاذبة للاستثمارات، ونظام عملي لدفع عجلة التنويع الاقتصادي، تؤدي إلى ريادة اقتصادية ومساهمة فاعلة على المستوى الإقليمي والعالمي، تلك هي المعادلة التي سعى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لتحقيقها، حينما أعلن عن التوجه لترسيخ مكانة دبي كعاصمة للاقتصاد الإسلامي.
وقد بلغت مساهمة الاقتصاد الإسلامي نحو 40 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي بإمارة دبي بنهاية العام 2017، بنسبة نمو وصلت إلى 10%، والتي كانت نتاجا لسلسة من البرامج والمبادرات والتشريعات التي حققت نجاحات وفتحت آفاقا جديدة أمام هذا النوع من الاقتصاد.
وكان لمركز تطوير الاقتصاد الإسلامي الذي تأسس بناء على قرار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وفق القانون رقم 13 لسنة 2013، دور كبير في تنظيم عمل الاقتصاد الإسلامي والترويج لدبي كقبلة استثمارية للمستثمرين في منتجات الاقتصاد الإسلامي، وتشجيع حل المنازعات التجارية، لدعم نمو الاقتصاد الإسلامي الإماراتي وتعزيز تنافسيته.
"العين الإخبارية" استقصت خلال التقرير التالي، آراء لمسؤولين من مركز تطوير الاقتصاد الإسلامي في دبي وعدد من الأكاديميين في القطاع القانوني والاجتماعي، للوقوف على مزيد من التفاصيل حول ماهية الاقتصاد الإسلامي في دبي، وأهم العوامل التي ساهمت في تحقيق هذه القفزة خلال السنوات القليلة الماضية.
- مركز تطوير الاقتصاد الإسلامي في دبي
الابتكار والاستدامة هدفان تسعى دولة الإمارات لتحقيقهما دائما، وعن ذلك قال عبد الله محمد العور، المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، لـ"العين الإخبارية": "إن أهم رواسي الاقتصاد الإسلامي في دبي تكمن في اعتمادها على هذين العنصرين، وهو ما حقق مردودا إيجابيا على الناتج المحلي الإجمالي، فقد لعب الاقتصاد الإسلامي دوراً مهما في تميز اقتصاد الإمارة ككل خلال السنوات الأخيرة، عبر تقديم الحلول الاقتصادية للمستثمرين ورواد الأعمال بما يتيح لهم آفاقاً أكبر للتطور في مختلف القطاعات، ويمثل نمو مساهمة الاقتصاد الإسلامي دليلاً دامغاً على مدى نجاح استراتيجية التنوع الاقتصادي الذي تتبناه دبي.
وللشراكات دور كبير في بناء هذه المنظومة، إذ لفت "العور" إلى أن مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي عمل بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين من القطاعين العام والخاص، على رسم خارطة الطريق التي حددتها "وثيقة الخمسين" للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بهدف دعم توجه دبي نحو ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للاقتصاد والأعمال في المنطقة، بما يتماشى مع أهداف مبادرة "دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي"، ويعزز من دورها.
رؤية المستقبل والتخطيط له ركن أساسي تقوم عليه المؤسسات في دبي، وهو أهم عوامل التميز، ومن هذا المنطلق كشف المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، لـ"العين الإخبارية"، أن خطط دبي لتعظيم مساهمة الاقتصاد الإسلامي في الناتج المحلي الإجمالي تكللت بالنجاح، إذ تم تحقيق النسبة المستهدفة والبالغة 10% بنهاية العام 2017، أي قبل نحو 4 سنوات من الموعد المحدد في عام 2021، وهو ما يدل على القفزة الهائلة التي تحققها مساهمات الاقتصاد الإسلامي في الاقتصاد الوطني.
- منظومة قانونية راسخة
التشريعات الإماراتية صنعت قصة نجاح متصاعدة في مجال الاقتصاد الإسلامي، هذا ما يتفق معه المحامي الدكتور محمد أبو العثم النسور، أستاذ القانون المشارك في كلية القانون في جامعة الإمارات، الذي أكد لـ"العين الإخبارية"، أن الأرقام تشير إلى أن ناتج دولة الإمارات يصل إلى 3 تريليونات دولار أمريكي على مستوى الدولة، منها استثمارات تقارب 60 مليار دولار في الصكوك الإسلامية وحدها، وهو ما اعتبره النسور ريادة غير مسبوقة، لافتا إلى أن هذا المركز ما كان ليتحقق لولا وجود إرادة سياسية مستنيرة وقاعدة تشريعية صلبة تحكم أعمال الاستثمار على وجه العموم والاستثمار الإسلامي على وجه الخصوص.
وقد بدأت مسيرة سن التشريعات لتنظيم عمل الاقتصاد الإسلامي منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة.
وعن ذلك أشار "النسور" لـ"العين الإخبارية"، إلى أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، أصدر في الثمانينيات من القرن الماضي القانون رقم 6 لسنة 1985 بشأن المصارف الإسلامية، الذي يعتبر قانونا رائدا على مستوى المنطقة والعالم، وتتابعت التشريعات فيما بعد لتتعدى المفهوم التقليدي الذي كان سائدا لتشمل جميع قطاعات الاقتصاد الإماراتي.
ومن الأمثلة التي طرحها الدكتور محمد النسور هي: "قرار هيئة الأوراق المالية والسلع رقم 20 لسنة 2018 بشأن إصدار الأوراق المالية الإسلامية، الذي نظم أعمال التداول بالأوراق المالية كالأسهم وسندات القرض حسب قواعد الشريعة الإسلامية الغراء، سواء للمستثمر المحلي أو الأجنبي".
وفي ذات الصدد لفت أستاذ القانون في جامعة الإمارات لـ"العين الإخبارية"، إلى أن نظام الصكوك لسنة 2014 الذي سبق القرار المذكور، جاء ليرسي إطارا قانونيا محكما للصكوك الإسلامية أصبح مثالا يحتذى به لدى جميع المشرعين في جميع دول العالم، إضافة إلى قوانين الشركات التجارية وقانون البنك المركزي، اللذين أصدرهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، لتشكل حجر الزاوية في تأطير أعمال الشركات التجارية في الدولة، من خلال تسهيل إجراءات تأسيس الشركات، سواء الشركات العادية أو الشركات التي تؤسس في المناطق الاقتصادية الخاصة.
- تكاتف مجتمعي قائم على رأس المال الأخلاقي
على الصعيد المجتمعي، أوضح الدكتور معن أبو بكر رئيس قسم دراسات العالم الإسلامي في جامعة زايد، لـ"العين الإخبارية"، أن إمارة دبي استشرفت قدرة الاقتصاد الإسلامي وآثاره الإيجابية، فعملت على انتهاج أعلى المعايير لضمان الاستقرار الاقتصادي وحمايته من التقلبات بل والانتكاسات، لافتا إلى أن العقد الأخير شهد ثقة عالية ما بين المستهلك والمستثمر فيما يخص منتجات الاقتصاد الإسلامي المتنوعة، والتي عملت دبي على تبنيها في مختلف الأنشطة الاقتصادية.
الآثار الإيجابية الناجمة عن تحفيز قطاعات الاقتصاد الإسلامي ستتخطى جانب الاقتصاد، لتمتد إلى المجتمع، وهذا ما يراه كذلك الدكتور معن أبوبكر، إذ ذكر لـ"العين الإخبارية"، "أن أهم هذه الانعكاسات تكمن في الثقة المتبادلة بين جميع أفراد المجتمع والحكومة وتحقيق السعادة والرفاه علـى وجـه ثابـت ومستقر، إلى جانب الاستفادة من منظومة القيم والمثل والأخلاق مثل الأمانـة والمصداقية والشفافية والبيئة والتيسير والتعاون والتكامل والتـضامن، فـلا اقتـصاد إسلاميا دون أخلاق ومثل، وهو ما يسمى رأس المال الأخلاقي".
وهناك جانب أكثر عمقا أشار إليه "أبو بكر" خلال حديثه، إذ أكد أن "الأهم في المعادلة هو تحقيق العدالة، التي هي من السمات الأساسية لمنتجات الاقتصاد الإسلامي، فإنها تقوم على قاعدة المشاركة في الـربح والخـسارة، وعلى التداول الفعلي للأموال والموجودات، ويحكم ذلـك ضـوابط الحـلال الطيـب والأولويات الإسلامية وتحقيق المنافع المشروعة والغنم بالغرم، والتفاعل الحقيقي بين أصحاب الأموال وأصحاب الأعمال والخبرة، والعمل وفق ضابط العدل والحق وبـذل الجهد وهذا يقلل من حدة أي أزمة، حيث لا يوجد فريق رابح دائما أبداً وفريـق خاسـر دائماً أبداً بل المشاركة في الربح والخسارة".