خبير اقتصادي: السيادة النووية الفرنسية تُحسم بالمصانع لا في مناجم النيجر

اعتبر الخبير الاقتصادي الفرنسي والباحث في المرصد الفرنسي للظرفيات الاقتصادية، إيلواز لوران، أن السيادة النووية الفرنسية تُحسم في مصانع "دروم" داخل فرنسا، لا في مناجم النيجر، وذلك بعدما أعاد انسحاب شركة "أورانو" من النيجر إحياء المخاوف من نقص اليورانيوم.
وأضاف لوران في مقابلة مع "العين الإخبارية" أن هذه "مشكلة وهمية" تخفي التحدي الحقيقي لسيادة الطاقة الفرنسية، وهي القدرات الصناعية لتحويل الخام.
وأوضح أن فرنسا لا تعتمد على النيجر وحدها، بل على شبكة واسعة ومتنوعة من الموردين تشمل كازاخستان، وأوزباكستان، وناميبيا، وجنوب أفريقيا، وأستراليا، بل حتى كندا التي أصبحت عام 2024 المورّد الأول لأوروبا.
ومنذ صيف 2024، أصبح اسم النيجر حاضرًا بقوة في النقاشات الفرنسية حول الطاقة النووية، بعدما قررت سلطات نيامي سحب رخصة استغلال منجم "إيمورارن" من شركة أورانو الفرنسية، وهو واحد من أكبر مكامن اليورانيوم في العالم.
وبعد أقل من عام، قامت السلطة العسكرية الحاكمة في النيجر بخطوة أكثر جذرية، حينما أعلنت تأميم شركة سومايير، آخر منجم يورانيوم كان لا يزال يعمل في البلاد. هذه القرارات فجّرت المخاوف من حدوث نقص في إمدادات اليورانيوم لفرنسا، الدولة التي تعتمد بشكل محوري على الطاقة النووية.
لكن شركات الكهرباء الفرنسية تحتفظ بمخزونات تكفي لتغطية أكثر من ثلاث سنوات من تشغيل المفاعلات. وبالتالي، فإن جوهر السيادة الطاقية الفرنسية لا يكمن في الخام المستخرج من المناجم، بل في القدرات الصناعية والتكنولوجية داخل فرنسا لمعالجة الخام وتخصيبه وتحويله إلى وقود نووي جاهز للتشغيل.
وقد أثار انسحاب شركة أورانو الفرنسية من النيجر، بعد قرار سلطات نيامي بسحب تراخيصها من منجم "إيمورارن"، ثم تأميم شركة "سومايير"، موجة من المخاوف بشأن احتمال تعرض فرنسا لأزمة إمدادات في اليورانيوم.
وفي هذا الحوار، يوضح لوران أسباب اعتقاده بأن فرنسا ليست على حافة أزمة، وما الذي ينبغي على باريس الاستثمار فيه لحماية استقلالها الطاقي في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
كثيرًا ما يقال إن خسارة مناجم النيجر تمثل خطرًا كبيرًا على الأمن الطاقي الفرنسي. إلى أي مدى هذا صحيح؟
بصراحة، هذا اعتقاد مبالغ فيه. في عام 2025، اليورانيوم الذي تستهلكه فرنسا لا يأتي من مصدر واحد، بل هو متنوع جدًا: كازاخستان، ناميبيا، أوزبكستان، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، وحتى كندا التي أصبحت أول مزوّد لأوروبا العام الماضي، متقدمة على كازاخستان وروسيا. الأهم من ذلك أن لدينا مخزونات تكفي لأكثر من ثلاث سنوات من تشغيل المفاعلات. بالتالي، لا يمكن القول إن فرنسا مهددة بالنفاد أو بالاعتماد على بلد بعينه.
إذاً، أين تكمن المعضلة الحقيقية برأيك؟
المسألة ليست في اليورانيوم الخام، لأنه يمثل جزءًا صغيرًا من تكلفة الكيلوواط/ساعة النووي. المشكلة الجوهرية هي في القدرات الصناعية الفرنسية على تحويل وتخصيب هذا الخام داخل أراضينا، مثل المصانع في "دروم" أو في موقع "لاهاج" بنورماندي. إذا لم نستثمر في هذه الحلقات الصناعية، سنظل رهائن للسلاسل الخارجية، حتى لو كان لدينا وفرة من الخام. السيادة النووية تُبنى في المصانع، لا في المناجم.
هناك من يرى أن التحولات في أفريقيا، ولا سيما في الساحل، قد تغيّر جذريًا معادلة الإمدادات النووية. ما تعليقك؟
صحيح أن التحولات السياسية في دول مثل النيجر تُربك السوق، لكن لا يجب أن نخلط بين رمزية النيجر كمنتج تاريخي وواقع السوق اليوم. فرنسا وأوروبا عمومًا باتتا تملكان استراتيجية تنويع قوية. التحدي الحقيقي ليس في مكان شراء الخام، بل في ضمان القدرة على تحويله محليًا دون الاعتماد المفرط على الخارج، خاصة في مراحل متقدمة مثل التخصيب أو تصنيع الوقود.
ما المطلوب اليوم لضمان استقلال فرنسا الطاقي في ظل هذه الظروف؟
المطلوب هو مضاعفة الاستثمار في الصناعة النووية الداخلية، من مصانع التحويل والتخزين إلى الأبحاث والتطوير في إعادة التدوير. هذا ما يؤمّن الاستقلال ويجعل فرنسا أقل عرضة للتقلبات الجيوسياسية. اليورانيوم نفسه موجود بوفرة عالميًا، لكن القدرة على تحويله إلى طاقة نظيفة وآمنة هي التي تحدد من يملك السيادة ومن يظل تابعًا.