التجارة العالمية.. كيف يمكن تحويلها إلى قاطرة لتعزيز الاقتصاد الأخضر؟

تُشكل التجارة ما بين 20 و30% من إجمالي الانبعاثات الدفيئة العالمية، وغالبًا تنشأ تلك الانبعاثات الدفيئة من إنتاج السلع وتداولها ونقلها بين دول العالم المختلفة عبر السفن والشاحنات والطائرات، هذه العملية تتطلب استهلاك كميات كبيرة من الطاقة.
ومن هنا تجلت الحاجة إلى دعم الاستدامة في التجارة، بل وجعلها محركًا رئيسيًا للاقتصاد الأخضر الذي تسعى إليه دول العالم اليوم؛ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والحفاظ على استدامة الموارد.
دفع الاقتصاد الأخضر
هناك العديد من الطرق التي يمكن للتجارة من خلالها دفع عجلة الاقتصاد الأخضر، وفي هذا الصدد، يقول الدكتور جواد الخراز، منسق مبادرة تيراميد للتحول العادل والمستدام في الطاقة بمنطقة المتوسط، لـ"العين الإخبارية" إنه "يمكن للتجارة أن تكون محركًا رئيسيًا للاقتصاد الأخضر من خلال تسهيل نقل التقنيات النظيفة، وإزالة الحواجز التجارية والجمركية، وتعزيز الابتكار، مما يقلل الانبعاثات ويحقق نموًا اقتصاديًا شاملًا".
ومن ضمن الطرق التي يمكن من خلالها أن تُساهم التجارة في دعم الاقتصاد الأخضر:
1- إلغاء الرسوم الجمركية ودعم السلع الخضراء
تحتاج المنتجات الصديقة للبيئة إلى دعم لنشرها وخفض تكاليفها وتوفيرها للمستهلكين، ويمكن فعل ذلك عبر إلغاء الرسوم الجمركية، واعتماد السلع الصديقة للبيئة وتعزيز الابتكار ونمو الوظائف في الصناعات الخضراء؛ فهذا من شأنه أن يسهل الوصول للتكنولوجيا الخضراء ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري وزيادة الاعتماد على البدائل الأخرى الخضراء التي تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، ما يعزز الاقتصاد الأخضر ويساهم في بناء اقتصاد أكثر استدامة ومرونة.
وأوضح الدكتور جواد الخراز: "اتفاقيات التجارة الحرة (مثل تلك في منظمة التجارة العالمية) يمكن أن تخفض التعريفات على السلع البيئية بنسبة تصل إلى 30%، مما يعزز التجارة في الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، التي نمت بنسبة قوية في 2022 رغم تباطؤ التجارة العالمية. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إنشاء 7 ملايين وظيفة في الاقتصاد الدائري بحلول 2030، وإضافة 4.5 تريليون دولار إلى النمو العالمي".
2- تعزيز السياسات التجارية والبيئية
يمكن تعزيز السياسات التجارية والبيئية من خلال التشجيع على التقنيات الخضراء المتقدمة، وتشجيع ممارسات الاقتصاد الدائري وتعزيز التعاون بين وزارات البيئة والتجارة، وربط التجارة بأطر التنمية المستدامة.
ويُشير الدكتور الخراز إلى أهمية تكامل السياسات التجارية والبيئية، ويقول: "كما يوصي تقرير OECD لعام 2025، يمكن للسياسات المشتركة، مثل اتفاقيات المناخ في التجارة الحرة، أن تقلل من 25% من انبعاثات CO2 الناتجة عن الإنتاج والتوزيع العالمي، من خلال تشجيع السلاسل التوريدية الدائرية وتقليل الفاقد الزراعي (الذي يسبب 88% من إزالة الغابات). في الدول النامية، يمكن للتجارة أن تساعد في "القفز" إلى تقنيات خضراء متقدمة، مثل اللوجستيات الخضراء في الصين والشرق الأوسط، حيث يصل سوق اللوجستيات في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى 173 مليار دولار في 2025 بنمو 6.36%".
3- الاستقرار السياسي
يلعب الاستقرار السياسي دورًا محوريًا في تعزيز التجارة الخضراء، ما يعزز ثقة المستثمرين على المدى البعيد، لذلك من الضروري على أي دولة تريد تعزيز اقتصادها الأخضر أن تعمل على تحسين الوضع السياسي وتحقيق استقراره، الأمر الذي يمكنها من صياغة سياسات تجارية خضراء قابلة للتنفيذ، ما يشجع الاستثمارات الخضراء.
ويقول الدكتور الخراز إنّ "الاستقرار السياسي والتنويع التجاري يعززان التجارة الخضراء، التي تأخذ بعين الاعتبار التكاليف البيئية، مما يقلل الانبعاثات تدريجيًا ويبني أسواقًا قوية. كما في استراتيجية الولايات المتحدة للتجارة الخضراء، يمكن للجمارك أن تكون بطلة في مكافحة الجرائم البيئية وتعزيز الاستدامة في السلاسل العالمية، التي تمثل 80% من الانبعاثات".
وتابع: "في النهاية، يجب على الحكومات والشركات التركيز على التعاون الدولي، مثل مبادرات المنتدى الاقتصادي العالمي، لجعل التجارة أداة للحد من فقدان التنوع البيولوجي والتلوث، مع ضمان فوائد للدول النامية من خلال نقل التقنيات وتمويل الابتكار. هذا ليس مجرد خيار، بل ضرورة حتمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة".