هل دفع المناخ ثمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

في ظل الطموح الواضح الذي أبدته بريطانيا عند خروجها من الاتحاد الأوروبي، ما مدى تأثر العمل المناخي بين لندن وبروكسل بعد مرور سنوات على الـ«بريكست»؟
في تمام الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت غرينتش يوم 31 يناير/كانون الثاني للعام 2020، أعلنت بريطانيا انفصالها عن الاتحاد الأوروبي بعد 47 عامًا من انضمامها إليه منذ عام 1973. ويُطلق على هذا خروجها "بريكست" (Brexit)، وهو مصطلح مكون من مقطعين (British exit)؛ أي "خروج بريطانيا"، وهذا يعني أنّ بريطانيا لم تعد ملزمة بقوانين الاتحاد الأوروبي، وأنها خرجت من السوق الجمركية الموحدة للاتحاد الأوروبي، وهذا يعني فرض رسوم على السلع، كما لم يعد المواطنون البريطانيون قادرون على التنقل بحرية في بلاد الاتحاد الأوروبي كما كان من قبل.
ويأتي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من المناقشات التي بدأت عام 2013؛ خاصة مع حالة القلق التي انتشرت بسبب أزمة ديون منطقة اليورو وخطة إنقاذ اليونان التي ألزمت بريطانيا ماليًا، إضافة إلى أنّ لوائح الاتحاد الأوروبي التي أزعجت كثيرون من المستهلكين والبيئة وأصحاب العمل. لكن السؤال الأهم، ما تأثير ذلك الخروج على العمل المناخي؟
- أكبر اقتصادات أوروبا تحت مقصلة البيروقراطية.. 67 مليار يورو تكبدها
- سباق الذكاء الاصطناعي.. أوروبا تتأخر عن الركب العالمي
قبل الخروج
قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تمثل التزامها المناخي الرئيسي في قانون تغير المناخ للعام 2008، والذي وضع هدفًا ملزمًا قانونًا بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 80% مقارنة بمستويات عام 1990 بحلول العام 2050. وفي أثناء العام 2019، تم تحديث هذا الهدف للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية عام 2050.
ويُوضح الدكتور "هشام عيسى"، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) لـ"العين الإخبارية" قائلًا إنّ التزامات بريطانيا في خفض الانبعاثات "كانت جزءًا من الحصة الجماعية للاتحاد الأوروبي تجاه اتفاق باريس". وتابع "بريطانيا كانت جزءًا من المنظومة الأوروبية للمناخ والطاقة (EU ETS – نظام تجارة الانبعاثات الأوروبي)".
بعد الخروج
يجدر بالذكر أنّ المملكة المتحدة قد استضافت "مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته السادسة والعشرين" (COP26) برئاسة "ألوك شارما"، في مدينة غلاسكو باستكتلندا عام 2021؛ أي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أنّ بريطانيا ما زالت في قلب العمل المناخي، ولتُثبت أنها قادرة على قيادة التحولات الكبرى في العمل المناخي حتى وهي خارج الاتحاد الأوروبي.
كما استطاعت بريطانيا من خلال استضافتها لـ COP26 أن تروج لاقتصادها الأخضر وجذب الاستثمارات الخضراء في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وغيرهم. من جانب آخر، كان COP26 فرصة مناسبة لها لتكوين تحالفات جديدة تدعمها في العمل المناخي والضغط في المفاوضات من أجل الأهداف المناخية المشتركة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي الذي كانت تتكاتف معه في أثناء مفاوضات المناخ من أجل المصالح المشتركة.
ويقول الدكتور هشام عيسى إنّ بريطانيا "وضعت هدفًا قانونيًا بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وهو ملزم قانونيًا بموجب "قانون التغير المناخي" البريطاني"؛ أي أنها حافظت على التزام الاتحاد الأوروبي بالوصول إلى صافي الصفر في الوقت الذي حدده مسبقًا.
ويُضيف عيسى: "بريطانيا لم تتراجع عن التزاماتها، بل على العكس أعلنت أنها ستلتزم بخطط وطنية مستقلة. كما أنها أطلقت نظامها الخاص لتجارة الانبعاثات (UK ETS) عام 2021، مشابه للنظام الأوروبي لكن أكثر طموحًا في بعض الجوانب. وأيضًا تعهدت بخفض الانبعاثات بنسبة 68% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 1990، وهو أعلى من متوسط التزامات الاتحاد الأوروبي".
أكثر طموحا
والسؤال الأهم هنا، في ظل الطموح الواضح الذي أبدته بريطانيا عند خروجها من الاتحاد الأوروبي، هل هناك تراجع في العمل المناخي بالنسبة لبريطانيا؟ وأجاب الدكتور "هشام عيسى"، قائلًا: "على مستوى الأهداف الرسمية: لا يوجد تراجع، بل وضعت بريطانيا أهدافًا أكثر طموحًا بعد خروجها، أما على مستوى التنفيذ العملي؛ فهناك انتقادات متزايدة في الداخل والخارج بأن الحكومة البريطانية بدأت تتباطأ في بعض الملفات (مثل التوسع في الطاقة المتجددة أو السيارات الكهربائية)، خاصة مع ضغوط أزمة الطاقة وارتفاع تكاليف المعيشة بعد 2022". وتابع؛ قائلًا إنّ هناك "تقارير من لجنة التغير المناخي في بريطانيا (CCC) تشير إلى أن وتيرة التنفيذ لا تواكب حجم الأهداف، وهناك خطر من عدم تحقيق أهداف 2030 إذا لم تتسارع الإجراءات".
فجوة!
على الرغم من الطموح العالي في الأهداف المناخية الذي وضعته بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وكأنها تقول للعالم إنها قادرة على دعم العمل المناخي وحدها، إلا أنّ هناك فجوة واضحة بين الطموح والتنفيذ الفعلي. ويُعلق الدكتور "هشام عيسى" على هذا الوضع قائلًا: "بريطانيا لم تتراجع رسميًا عن التزاماتها المناخية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، بل صارت مسؤولة عن التزاماتها الوطنية بشكل مباشر وأكثر طموحًا. لكن المشكلة تكمن في فجوة التنفيذ والتباطؤ السياسي في بعض الملفات، وهو ما قد يضعف مصداقيتها إذا استمر".
ربما نافعًا
لكن، باعتبار بريطانيا من الدول التي ساهمت في إطلاق كميات هائلة من انبعاثات الغازات الدفيئة، ومن الطبيعي أن تدافع بقوة عن مصالحها في المفاوضات المناخية؛ فهل انفصالها عن الاتحاد الأوروبي يقلل من قوته في المفاوضات المناخية. في هذا الصدد، يقول الدكتور "باتريك بوند"، أستاذ متميز ومدير مركز التغيير الاجتماعي، جامعة جوهانسبرغ، لـ"العين الإخبارية": "تكمن المساهمة الرئيسية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على المناخ في أن أكثر القوى رجعية في السياسة الأوروبية - الدبلوماسيون البريطانيون، مثل بيتر ماندلسون، الذي دافع ببراعة عن مصالح مدينة لندن - لم يعودوا موجودين لإبطاء التقدم الاجتماعي والبيئي".
ويرى بوند أنّ هذا من شأنه أن يُضعف الأيديولوجية "النيوليبرالية" المشتركة بين حزبي المحافظين والعمال، المؤيدة للشركات قليلاً في بروكسل. وللتوضيح، فالأيدلوجية النيوليبرالية، هي فكر أيدلوجي يدعو إلى تبني تأييد الرأسمالية المطلقة وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد.
ويُكمل بوند حديثه، قائلًا لـ"العين الإخبارية": "لذا، يمكن لأوروبا أن تأخذ زمام المبادرة عالميًا في إدراك الحاجة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري - وإن لم يكن كافيًا - ومنذ عام 2022، بدأت في دعم "شراكات التحول العادل للطاقة" في أماكن مثل جنوب أفريقيا، بهدف إبقاء الوقود الأحفوري تحت الأرض، كما ستبدأ اعتبارًا من الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل بفرض رسوم حدودية على الكربون عند الاستيراد، لمنع تصدير الانبعاثات إلى الخارج".
مع ذلك، لدى بوند بعض المخاوف، ويوضحها قائلًا: "وبالطبع، لا يزال الميل النيوليبرالي يهيمن على بروكسل، مما جعل هذه الجهود تفشل وفقًا لمعاييرها الخاصة، تمامًا مثل نظام تداول الانبعاثات الأوروبي الذي يشبه أسلوب الكازينو". لكن هناك بصيص أمل؛ إذ يختتم بوند حديثه مع "العين الإخبارية" قائلًا: "ومع ذلك، فإن إمكانية إصلاح الاتحاد الأوروبي تظل قائمة إذا ما حصلت أحزاب اليسار الأخضر الجادة مثل "Die Linke" و"La France Insoumise" على نفوذ كبير في القوتين الأوروبيتين الرئيسيتين".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTkg جزيرة ام اند امز