قاطرة الاقتصاد العالمي.. رهن «مغامرات» ترامب في 2025
مع بشائر العام الجديد يتطلع المستثمرون إلى مزيد من الوضوح بشأن أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب، وهو ما سيساعد في تحسين التوقعات الاقتصادية لقاطرة الاقتصاد العالمي.
شهد الاقتصاد الأمريكي هذا العام نموا قويا بشكل مفاجئ مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، بمعدل سنوي قدره 1.8% في الربع الرابع، ليغلق العام المالي 2024/2023 (الذي انتهى في 30 سبتمبر/أيلول) بنمو سنوي قدره 2.3%.
ووفقا لتحليل لبنك "جي بي مورغان" كان الدافع الأكبر لهذه القوة هو إنفاق المستهلكين، الذي أسهم بنسبة 78% في المتوسط من نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الأرباع الثلاثة الأولى من العام.
وعلى الرغم من أسعار التجزئة المرتفعة تمكن المستهلك -الأكثر ميلا للتوفير- من دعم ميزانيته وزيادة مشترياته رغم ذلك، ونما الإنفاق الاستهلاكي المعدل حسب التضخم بنسبة 3.0% على أساس سنوي في الربع الثالث، متسارعا من 2.7% في الربع الثاني، ومدفوعا بمكاسب قوية في الدخل الحقيقي بعد الضريبة.
وهيمنت الأسر ذات الدخل المرتفع على الاستهلاك، التي تمتعت بمكاسب هائلة في ثروة الأسرة، جنبا إلى جنب مع الدخل القوي جراء معدلات الفائدة والأرباح والعقارات.
واستمرت القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة في مواجهة التحديات ولكنها بدأت في الاستقرار مع بلوغ أسعار الفائدة ذروتها، وسوف يعتمد نطاق تسارع نموها على مدى انخفاض الفائدة في العام المقبل.
- باول: الاقتصاد يسمح للمركزي الأمريكي بمساحة من الحذر في خفض الفائدة
- ترامب إلى البيت الأبيض.. هذا ما ينتظر الاقتصاد الأمريكي
مواجهة التحديات
وانكمش الاستثمار السكني في الربع الثاني والثالث مع كفاح شركات بناء المنازل تحت أسعار الفائدة طويلة الأجل المرتفعة، التي قد تستمر، كما شهد قطاع التصنيع -الذي يعاني تباطؤ الطلب العالمي- ضعف نمو الوظائف ونشاط الطلبات الجديدة، ومع ذلك فإن تخفيضات أسعار الفائدة قد تحفز النشاط في هذه القطاعات، وبالتالي توسيع الدعم لنمو الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى الرغم من تكاليف الاقتراض المرتفعة فقد تعزز الاستثمار التجاري من خلال الميزانيات العمومية القوية للشركات والدعم المالي من التشريعات مثل قانون الرقائق وقانون خفض التضخم.
وعلى وجه الخصوص قامت شركات التكنولوجيا بتسريع الاستثمار وسط سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد تسهل المعدلات المنخفضة استثمارات مماثلة في قطاعات أخرى.
سوق العمل
ومن المتوقع أن يظل سوق العمل بصحة جيدة، مع استمرار مكاسب الوظائف ومعدل بطالة مستقر عند نحو 4%.
وتباطأ نمو طلب التوظيف وقد يستقر عند وتيرة شهرية تتراوح بين 100 ألف و150 ألف وظيفة، بما يتفق مع نمو التوظيف المعتدل.
ومع عودة سوق العمل إلى طبيعتها ينبغي أن يتحسن معدل التضخم أيضا، ومن المتوقع أن يغلق التضخم الرئيسي في نفقات الاستهلاك الشخصي العام عند 2.3%، ثم يبلغ متوسطه 2.0% العام المقبل.
التحولات السياسية
وقد تؤدي عودة ترامب للحكم إلى تغييرات كبيرة في السياسة، مما يلقي بظلال عدم اليقين على التوقعات الاقتصادية، وفي حين تظل تفاصيل وتوقيت التحولات السياسية المحتملة غير واضحة، فإنه يتوقع تخفيضات ضريبية وزيادة التعريفات الجمركية، وتقليص الهجرة، وتحرير مختلف القطاعات.
وعلى الصعيد الضريبي يبدو أن التمديد الكامل لقانون تخفيضات الضرائب، خاصة إمكانية خفض معدل ضريبة الشركات في الولايات المتحدة، هو الأكثر ترجيحا.
وبصرف النظر عن أي تعويضات من الميزانية للتعريفات الجمركية التي قد تقترحها الإدارة، فمن المرجح أن تؤدي هذه السياسات إلى زيادة العجز دون تحفيز النشاط الاقتصادي بشكل كبير، مما يزيد من التحديات المالية طويلة الأجل التي تواجه البلاد.
وكان ترامب قد اقترح تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات وتعريفة جمركية بنسبة 60% على جميع السلع الصينية، التي يمكن تفسيرها كأداة مساومة في مفاوضات التجارة.
وإذا تم سن هذه التعريفات الجمركية على النحو المذكور فقد تؤدي إلى ارتفاع التضخم وتقليص الطلب الإجمالي، فضلا عن ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار.
ووفقا لتقديرات حديثة أجراها مختبر الميزانية في جامعة ييل، فإن هذه التعريفات الجمركية من شأنها أن ترفع أسعار المستهلك بنسبة تتراوح بين 1.4% و5.1% وهو ما يعادل تكلفة 1900 إلى 7600 دولار من الدخل المتاح للأسرة المتوسطة.
بالإضافة إلى ذلك فإن الحد الشديد من الهجرة من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي الحقيقي من خلال الحد من نمو القوى العاملة، وقد يتسبب في ارتفاع التضخم من خلال زيادة الأجور.
وأخيراً، لا يزال يتعين مراقبة التأثير المعاكس لخفض القيود التنظيمية عبر مختلف القطاعات، خاصة منظور زيادة الاستثمار الرأسمالي والتوظيف.
التوقعات
وإذا تم دمج التوقعات لهذه التغييرات السياسية فإن التوقعات تشير إلى أنه لن يتأثر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى حد كبير في العام المقبل، ولكن التحفيز الضريبي الذي يبدأ بتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيظهر تأثيراته بحلول نهاية عام 2026.
ولن يتأثر نمو الوظائف نسبيا في عام 2025، ولكن أسواق العمل سوف تضيق، ومن شأن انخفاض نمو القوى العاملة بسبب انخفاض الهجرة أن يخفض معدل البطالة إلى 3.9% بحلول نهاية عام 2025.
وقد يرتفع التضخم من حيث الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الرئيسي إلى 2.7% بحلول نهاية عام 2025، في دفعة لمرة واحدة من التعريفات الجمركية ثم ينخفض إلى 2.1% بحلول نهاية عام 2026.
وقد يضع بنك الاحتياطي الفيدرالي نهاية مبكرة لدورة التيسير من خلال ثلاث تخفيضات أخرى فقط، مما يرفع سعر الفائدة على الأموال إلى 3.75%-4.00% بحلول الصيف المقبل ويحافظ عليه عند هذا المستوى.
ولا تزال توقعات السياسة في هذه المرحلة تخمينية للغاية، لكنها لا تبدو أنها تنبئ بكارثة للاقتصاد أو الأسواق في الأمد القريب.
وفي الأشهر المقبلة سيتطلع المستثمرون إلى مزيد من الوضوح بشأن أجندة الإدارة الجديدة، وهو ما سيساعد في تحسين التوقعات الاقتصادية.
وحتى ذلك الحين يظل الاقتصاد على قدم ثابتة مع دخولنا العام الجديد، مع العودة التدريجية إلى الوضع الطبيعي. ومع ذلك ينبغي للمستثمرين أن يظلوا يقظين، بالنظر إلى هشاشة التوسع الاقتصادي الذي يدعم الحماسة الصعودية في الأسواق.
aXA6IDMuMTM1LjIwOS4yMzEg جزيرة ام اند امز